ما خيارات إيران لمواجهة تحديات ممر زنغزور؟
ترى باكو وأنقرة أن زنغزور يمثل حلقة لإكمال ربط دول العالم المتحدثة بالتركية تجاريًا وثقافيًا وسياسيًا، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهو فرصة للحد من نفوذ روسيا وإيران في القوقاز.

ميدل ايست نيوز: بعد التطورات الأخيرة واتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة أميركية، لم يعد ينظر إلى ممر زنغزور أو ممر “ترامب”، الذي يهدف إلى ربط أذربيجان من خلال محافظة سيونيك الأرمنية إلى نخجوان، على أنه مشروع ترانزيتي، بل بات يحمل أبعادًا تتجاوز ذلك بكثير.
يمكن أن يغير هذا الممر التوازن الجيوسياسي في جنوب القوقاز ويعيد تشكيل اقتصاد المنطقة، بل ويؤثر في المعادلات الأمنية والسياسية.
إذن، كيف يجب التعامل مع هذا المشروع بالنسبة لإيران التي تعتبر القوقاز جزءًا من نطاق الأمن الوطني الحيوي؟ قد يكمن الجواب في استراتيجية إيجابية وتحركات منوعة وتقديم مبادرات ذكية وحلول بديلة بعيدًا عن الاكتفاء بالمعارضة والتصريحات السلبية العابرة.
ترى باكو وأنقرة أن زنغزور يمثل حلقة لإكمال ربط دول العالم المتحدثة بالتركية تجاريًا وثقافيًا وسياسيًا، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهو فرصة للحد من نفوذ روسيا وإيران في القوقاز. إيران ترى هذا الممر خطًا أحمر، لأنه قد يفتح المجال أمام قوات أجنبية للوصول إلى حدودها الشمالية الغربية. رغم أن الاتفاق الأخير أكد بقاء الممر تحت السيادة الأرمنية، إلا أن حضور الشركات الأميركية المستثمرة يثير قلق طهران. في هذا السياق، يجب أن تلعب إيران دور “الفاعل النشط”، لا المعارض السلبي.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرّح في وقت سابق بأن أي مشروع إقليمي يجب أن يراعي مصالح جميع الدول المجاورة وألا يتحول إلى منصة لإقصاء بعض الأطراف أو تهديد أمنها القومي.
ويرى بعض المحللين في طهران أن الممر قد يعيد رسم خريطة التحالفات في القوقاز، لاسيما مع تنامي الدور التركي وتراجع الحضور الروسي النسبي في المنطقة.
تهديد وفرصة
تشير دراسات حديثة إلى أن حركة البضائع عبر الممرات العالمية قد تتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يعني زيادة المنافسة بين المسارات التقليدية والناشئة.
وفي ظل هذا الواقع، يحذر اقتصاديون إيرانيون من أن أي تأخر في استكمال مشاريع البنية التحتية الوطنية قد يضع طهران خارج خريطة النقل الدولية.
كما أن الشركات اللوجستية العالمية بدأت تراقب عن كثب تحولات المنطقة، الأمر الذي يفرض على إيران الإسراع في طرح بدائل واقعية وقابلة للتنفيذ.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه الممرات سيعزز من دور دول القوقاز بوصفها حلقة وصل بين الشرق والغرب، وهو ما قد يغير موازين القوى الاقتصادية في المنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن الممرات الجديدة يمكن أن تقلص زمن النقل بين آسيا وأوروبا بما يصل إلى أسبوعين، وتضيف مليارات الدولارات للتجارة الإقليمية. هذه الجاذبية مفهومة لأذربيجان وأرمينيا، لكن إيران تواجه خطر تراجع حصتها الترانزيتية، حيث تحدث بعض الخبراء عن احتمال انخفاضها بنسبة 20 إلى 30 بالمئة. أمام هذا التهديد، لدى إيران خيارات استراتيجية مهمة:
- استكمال ممر الشمال–الجنوب بالتعاون مع روسيا والهند، لربط بندر عباس بأوروبا وتقليص زمن النقل بين الهند وأوروبا إلى النصف.
- تنفيذ ممر نهر أرس عبر الأراضي الإيرانية لربط نخجوان بباكو، وهو مشروع يلبي احتياجات أذربيجان ويعزز الدور الإيراني.
- إعادة تفعيل مشروع الخليج–البحر الأسود بالتعاون مع أرمينيا وجورجيا، لتوفير مسار مباشر لإيران إلى أوروبا.
الملف الأمني: خط أحمر لطهران
أعلنت إيران بوضوح أنها لن تقبل أي تغيير حدودي أو أي وجود عسكري أجنبي في القوقاز. التدريبات العسكرية للجيش والحرس الثوري في الشمال الغربي أكدت أن هذا الموقف ليس مجرد تصريح دبلوماسي. فعلى الرغم من تراجع خطر الحرب مؤقتًا، فإن إدارة الممرات بواسطة شركات أميركية قد تؤدي إلى زيادة النفوذ الأمني وحضور غير مباشر لحلف الناتو أو إسرائيل في المنطقة وهو ما يعتبر تهديدًا للأمن القومي الإيراني. في هذا الوضع، يتعين على إيران ترسيخ أمن الممرات كأمر اقتصادي وغير عسكري.
وسبق أن لوّح مسؤولون عسكريون إيرانيون في أكثر من مناسبة بأن طهران سترد بحزم على أي تحرك يغيّر التوازنات الميدانية في القوقاز. كما يؤكد خبراء إستراتيجيون أن إدخال أطراف غربية في إدارة الممرات قد يحول المنطقة إلى ساحة تنافس أمني طويل الأمد.
ويرى مراقبون أن استمرار الغموض حول طبيعة الوجود الأميركي قد يفتح الباب أمام سباق نفوذ جديد بين القوى الكبرى في جنوب القوقاز. وتشير تقارير محلية إلى أن إيران تتابع باهتمام شديد التحركات التركية في هذا الملف، خشية أن تتحول أنقرة إلى شريك أمني بديل يحظى بدعم غربي.
من هذا المنطلق، يستوجب على طهران أن ترسخ الطابع الاقتصادي البحت لهذه الممرات بحيث يمثل خط الدفاع الأول عن استقرار المنطقة ويمنع انزلاقها نحو التوترات.
الثقافة والهوية؛ رأس مال مخفي لإيران
لا تمثل القوقاز مجرد جارة لإيران، بل هي جزء من تاريخها وثقافتها المشتركة. فالاشتراكات الدينية مع أذربيجان والعلاقات القديمة مع أرمينيا تشكل رؤوس أموال يمكن لطهران توظيفها لبناء الثقة. كما يمكن لتطوير السياحة، والتبادل العلمي والثقافي، والحضور الإعلامي النشط أن يعزز النفوذ الناعم الإيراني، وهو نفوذ لا يمكن لأي ممر مادي إلغاؤه. لهذه الأسباب، يجب على إيران، بدل الاعتراض فقط، اتباع حزمة من الإجراءات الإيجابية:
- تعزيز الممرات الموازية والبديلة: استكمال سريع لممر الشمال–الجنوب، وتفعيل ممر أرس، وإعادة تشغيل مسار الخليج–البحر الأسود.
- دبلوماسية نشطة متعددة الأطراف: استخدام آليات مثل صيغة 3+3 لضمان الإدارة الإقليمية للممرات ومنع الاحتكار الخارجي.
- اتفاقية أمنية إقليمية: يمكن أن تقدم إيران مقترحًا ينص على التزام دول جنوب القوقاز ببقاء الممرات اقتصادية وعدم قبول أي قواعد أجنبية.
- تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية: رفع حجم التجارة مع أرمينيا إلى أكثر من مليار دولار، وإطلاق مشاريع مشتركة في الطاقة والصناعة.
- استثمار القوة الناعمة: من الإعلام المحلي إلى تطوير السياحة والمشاريع الثقافية، كل ذلك يعزز صورة إيران في المنطقة.
على ضوء ماسبق، يشكل ممر زنغزور لإيران تهديدًا وفرصة في آن واحد. فإذا كانت الأخيرة سلبية وتطلق تصريحات رنانة وعشوائية، فإنها ستفقد جزءًا من دورها الجيوسياسي والاقتصادي، أما إذا بادرت بالمساهمة عبر أبواب الدبلوماسية، وتطوير البنية التحتية، والردع الأمني، ورأس المال الثقافي—فيمكنها تحويل التهديد إلى فرصة لتعزيز مكانتها التاريخية في القوقاز.
اقرأ المزيد
من الصحافة الإيرانية: ممر زنغزور… توغل خفي لحلف شمال الأطلسي في قلب أوراسيا