من الصحافة الإيرانية: صدوع جيوسياسية في جنوب القوقاز
شكّل اتفاق الصلح بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، الذي وُقّع في 8 أغسطس 2025 في البيت الأبيض بوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نقطة تحوّل في مسار التطورات بجنوب القوقاز.

ميدل ايست نيوز: شكّل اتفاق الصلح بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، الذي وُقّع في 8 أغسطس 2025 في البيت الأبيض بوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نقطة تحوّل في مسار التطورات بجنوب القوقاز. الاتفاق، الذي تضمّن إنشاء ممر استراتيجي في زنغزور بإدارة أميركية تمتد 99 عاماً، أخرج عملياً روسيا من معادلات المنطقة. هذا الممر، الذي أُطلق عليه اسم «مسار ترامب للسلام والازدهار الدولي»، لا يعزّز فقط الربط البري بين أذربيجان ونخجوان، بل وجّه أيضاً ضربة قوية إلى النفوذ التقليدي لموسكو في المنطقة.
وكتبت صحيفة هفت صبح، أن هذا التطور يُعد انتكاسة قاسية للكرملين، خاصة في ضوء دوره التاريخي كوسيط في نزاع قره باغ، ولا سيما بعد الاتفاق الثلاثي عام 2020. عكس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قره باغ أواخر عام 2023 وتراجع حضور موسكو في مسار المفاوضات بوضوح تراجع موقعها في جنوب القوقاز، ما عمّق من حدة التوتر مع باكو وزاد من الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة.
دور أذربيجان في دعم أوكرانيا وغضب الكرملين
يتمثل أحد أبرز أسباب التصعيد بين موسكو وباكو في تعاون أذربيجان المتزايد مع أوكرانيا في قطاع الطاقة. فقد دخل الطرفان في مفاوضات لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي عبر ممر ترانس-بلقان، في خطوة تهدف إلى تعويض النقص في الغاز الروسي داخل السوق الأوروبية ودعم كييف في مواجهة الضغوط الروسية. ونُفذت في يوليو الماضي أول عملية تجريبية لنقل الغاز، الأمر الذي أثار غضب الكرملين.
وفي رد مباشر، شنّت روسيا ضربات جوية استهدفت منشآت تابعة لشركة «سوكار» الأذربيجانية في أوكرانيا، بينها محطة ضخ غاز ومحطة نفطية في منطقة أوديسا. الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أدان هذه الهجمات مؤكداً استمرار بلاده في دعم أوكرانيا، وهو ما صعّد منسوب التوتر بين الجانبين. ويرى مراقبون أن موسكو تسعى من خلال هذه الهجمات إلى تقويض مكانة أذربيجان كبديل استراتيجي للطاقة بالنسبة إلى أوروبا ومعاقبتها على تقاربها مع الغرب.
صراعات رمزية ودبلوماسية؛ النزاع على الأسماء الجغرافية
ولم يقتصر التوتر على المجال العسكري والطاقوي، بل تمدد إلى الساحة الدبلوماسية والرمزية. فقد أثار استخدام وسائل إعلام روسية رسمية، بينها وكالة «تاس»، أسماء أرمنية لمناطق قره باغ، مثل «ستيباناكيرت»، غضب باكو. وردّت وزارة الخارجية الأذربيجانية مهددة باستخدام أسماء تاريخية لمدن روسية مثل «كونيغسبرغ» بدلاً من كالينينغراد و«ساري سو» بدلاً من فولغوغراد في خطابها الإعلامي. هذه الخطوة، التي اعتبرها محللون أداة سياسية لتجسيد العداء، دفعت «تاس» إلى التراجع سريعاً عن استخدام تلك التسميات، في مؤشر على ضعف الموقف الروسي أمام سياسة أذربيجان الأكثر جرأة.
احتمال نشوب صراع عسكري وعواقب إقليمية
ومع تزايد هذه التوترات، يطرح بعض المراقبين احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وأذربيجان، رغم استبعادهم إقدام موسكو على فتح جبهة جديدة في القوقاز في ظل انشغالها بالحرب في أوكرانيا. لكن استمرار الضربات الروسية ضد مصالح أذربيجان في أوكرانيا، إلى جانب خطوات دبلوماسية وأمنية متبادلة مثل اعتقال مواطنين أذربيجانيين في روسيا ورد باكو على ذلك، يعكس إمكانية انزلاق المنطقة إلى مرحلة من عدم الاستقرار.
وتضيف هواجس الكرملين من تقارب أرمينيا وأذربيجان مع حلف شمال الأطلسي واستقدام قوات غربية إلى جوار حدوده، تضيف بعداً استراتيجياً للتوتر القائم. ويرى محللون أن جنوب القوقاز قد يتحول إلى بؤرة أزمة جديدة إذا احتدمت المنافسة الجيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران.
أما إيران، التي تتابع بقلق الحديث عن احتمال حضور الناتو في ممر زنغزور، فقد تجد نفسها مضطرة إلى لعب دور أكثر نشاطاً في هذه المعادلات، وهو ما يزيد المشهد تعقيداً. وبينما تواصل أذربيجان انتهاج سياسة الموازنة عبر تعزيز التعاون مع الغرب وتركيا مع الإبقاء على حد أدنى من العلاقات مع موسكو، تبدو الأخيرة في موقع حساس قد تكون له تداعيات واسعة على استقرار جنوب القوقاز.
اقرأ المزيد
من الصحافة الإيرانية: ممر زنغزور… توغل خفي لحلف شمال الأطلسي في قلب أوراسيا