من الصحافة الإيرانية: أوروبا والحفاظ على الاتفاق النووي لتوجيه “الطعنة القاتلة”

منذ أشهر اتّضح أنّ الأوروبيين يعملون على تنظيم كيفية سقوط سيف ديموقليس «آلية الزناد» على رأس إيران، شيئاً فشيئاً تمهيداً لإنزاله، طبعاً إذا جرت الأمور كما يشتهون.

ميدل ايست نيوز: منذ أشهر اتّضح أنّ الأوروبيين يعملون على تنظيم كيفية سقوط سيف ديموقليس «آلية الزناد» على رأس إيران، شيئاً فشيئاً تمهيداً لإنزاله، طبعاً إذا جرت الأمور كما يشتهون.

رسالة الدول الثلاث مع الاتحاد الأوروبي إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمسجّلة في مجلس الأمن تُعَدّ الخطوة القانونية الأولى لإعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وقد أُرسلت الأسبوع الماضي. لكن أين هم في هذه المعادلة؟ كيف يمكن للأوروبيين أن يقدّموا أنفسهم في هذه الرسالة كحماة الاتفاق النووي وأن يصوّروا إيران وكأنها المنتهِكة له؟ وهل ستصبح أوضاع إيران أسوأ مما هي عليه الآن؟

الدول الأوروبية الثلاث بذلت في رسالتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة كل جهدها لإظهار أنّها حاولت الحفاظ على الاتفاق النووي، وهي بطبيعة الحال لا تريد أن يُذكِّرها أحد بأنها نفسها أحد أطراف فشل الاتفاق، كما أنها حريصة بالقدر نفسه على تحميل إيران كامل المسؤولية عن الوضع الراهن.

مع أنّ قادة الدول الأوروبية الثلاث مع الاتحاد الأوروبي جلسوا الأسبوع الماضي أمام دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، ليشهدوا سيركه السياسي المسمّى «مساعي السلام» بين أوكرانيا وروسيا، فإنهم ربما نسوا أنه في الفترة ما بين 8 أيار/مايو 2018 وخروج أمريكا المؤسف من الاتفاق النووي وحتى مرور عام كامل قبل أن تقرر إيران الرد بخفض التزاماتها النووية بسبب عدم تنفيذ أي من التعهدات من قِبل الأطراف، ظلّت إيران ملتزمة وصابرة أكثر من سنة. على الأقل كان يجدر بإيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، أن يتذكّر أنّ فيديريكا موغيريني، التي حضرت بنفسها مفاوضات إيران مع الولايات المتحدة، بذلت جهوداً طويلة لإطلاق القناة المالية المعروفة بـ«إنستكس» كي تتيح استمرار التجارة مع إيران بعيداً عن هيمنة الدولار، لكنها عملياً فشلت ولم تحقق سوى بعض التبادلات المحدودة في مجالي الغذاء والدواء. عندها أدرك الأوروبيون أنهم عاجزون عن الوقوف بوجه أمريكا، وذلك في أسوأ مرحلة للعلاقات بين أوروبا وأمريكا في الولاية الأولى لترامب.

لكن الأوروبيين اليوم يفضّلون رواية التاريخ على طريقتهم، ويحبّون أن يقدّموا أنفسهم كأبطال اتفاق لم يكونوا فيه سوى أسماء على الورق بلا دور يُذكر.

ولا شك أنهم لا يريدون أن يتذكّر أحد أنّ نص الاتفاق النووي يتضمّن صفحات عديدة تُعطي للاتحاد الأوروبي بصفته المنسّق مهمة إدارة تنفيذ التعهدات ومنافع الاتفاق، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق: لا تحديث مفاعل آراك للماء الثقيل، ولا تحويل نطنز إلى مركز أبحاث، ولا حتى تنظيم ورش عمل للأمن النووي.

من المهم التذكير أنّ إيران بعد خروج أمريكا أبقت الاتفاق على حاله لمدة عام كامل، لكن حين فشلت أوروبا في تفعيل «إنستكس» للحفاظ على الاتفاق، قررت إيران تقليص التزاماتها النووية بخطوات تدريجية كل شهرين.

وعند اتخاذ قرار تقليص الالتزامات، تحدّث المسؤولون الإيرانيون عن ورقة ضغط أخرى غير النووي، وهي السماح للمهاجرين الأفغان بالتحرك نحو حدود أوروبا. وكان ذلك التهديد جدياً بالنسبة للأوروبيين الذين كانوا قد عانوا من موجات اللاجئين السوريين والعراقيين بعد مآسي «داعش»، لكن الحساسية الاجتماعية داخل إيران، حيث هناك قرب عاطفي وثقافي مع الأفغان خصوصاً الطاجيك، حالت دون المضي في ذلك الخيار.

وبالنهاية بدأت إيران بتقليص التزاماتها: من رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى زيادة المخزون وإجراء اختبارات جديدة وغير ذلك.

ورغم أن اعتراضات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت منذ اللحظة الأولى، وبدأت تصدر تقارير تقيس التزامات إيران وفقاً للاتفاق، لم يكن هناك في المقابل أي هيئة تذكّر بعدم التزام أوروبا وأمريكا بتعهداتهما. أمريكا بخروجها تخلّصت من كل القيود، والأوروبيون اختبأوا وراء تقارير الوكالة والتحولات الداخلية في إيران كي يتخذوا موقف المتحامل.

لم تُعقد سوى بضع جولات للجنة المشتركة الخاصة بالشكاوى، لكنها لم تتجاوز خلافاتها الأولية ولم تصل إلى نتيجة. ومع ارتفاع مخزون اليورانيوم بات الوصول لأي اتفاق أصعب، وأصبح الاتفاق النووي يقترب من لحظة عودة قرارات مجلس الأمن جميعها بدلاً من الفرح بإلغائها.

الآن أطلق الأوروبيون آلية الزناد، ومن المرجّح أن تُستكمل بحلول نهاية آب/أغسطس. وبحسب ما يُرى في أجواء مجلس الأمن ضد إيران، يبدو أنّ نجاحهم قريب، رغم أنّه يمكن تأليف مقالات وخطب طويلة لتأكيد أنهم لا يملكون الحق في ذلك. لكن ربما كل هذه السنوات لم يكن الأوروبيون فيها سوى ممثلين ثانويين ينتظرون المشهد الأخير ليوجهوا الطعنة القاتلة.

حتى لو امتلك الأوروبيون اليوم القدرة على استخدام «آلية الزناد»، فلا يبدو أن ذلك سيُفتح صفحة جديدة وجذابة في علاقتهم مع إيران، بل إن العلاقة ستزداد سوءاً.

فهل ستصبح أوضاع إيران أسوأ مما هي عليه؟

بخروج ترامب عادت العقوبات الأمريكية وازدادت تدريجياً بأوامر وزارة الخزانة، ومعها العقوبات على شركات وأفراد بشكل متواصل، مما جعل التجارة الإيرانية أكثر عزلة.

لكن ما الذي سيعود بالضبط مع «آلية الزناد»؟

بحسب الاتفاق النووي، فإن القرارات 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 التي صدرت بين عامي 2006 و2015 ستُعاد في حال عدم تنفيذ إيران التزاماتها الأساسية. ومعها سيعود الملف الإيراني تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعتبر إيران تهديداً للسلام والأمن الدوليين، وهو ما قد يفتح الباب أمام الحرب ويمنحها غطاءً قانونياً.

ومع ذلك لم يتضح بعد موقف روسيا والصين وإيران في مواجهة السلوك الأوروبي، وقد تلجأ طهران في حالة الضرورة القصوى إلى قبول تمديد القرار 2231 المقترَح من أوروبا.

فهل سيتأثر الاقتصاد الإيراني كثيراً؟

من المتوقع أن يمر الاقتصاد الإيراني بأيام مضطربة بعد تفعيل «آلية الزناد»، رغم أن هذه الاضطرابات قد لا تدوم طويلاً. لكن الدبلوماسية الإيرانية هي التي ستتلقى الهزات الأكبر، مصحوبة بأخبار سيئة ومواقف حادة: إدانات متتالية واستدعاءات دبلوماسية بلا جدوى.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
آوش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى