هل السفارات الأوروبية في طهران تستعد لحدث ما؟
يشير تقليص الخدمات القنصلية والإغلاق المؤقت للسفارات إلى خوف أوروبا من تصاعد التوتر واحتمال وقوع مواجهة مباشرة أو غير مباشرة لإيران مع دول المنطقة والعالم.

ميدل ايست نيوز: تعكس حالة عمل السفارات الأوروبية في إيران عادةً مؤشراً على حجم القلق الدولي إزاء التطورات الأمنية والإقليمية، وتشير الأدلة إلى أن الأوضاع في الأيام الأخيرة كانت شديدة الحذر.
تصدر خبر السفارة الألمانية في طهران وحول نشاطها وإغلاقها عناوين الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية خلال الأسبوع الماضي. وتكتسب هذه القضية أهميتها من المخاوف الأمنية والسياسية في العاصمة الإيرانية، ومن كون نشاط السفارات مؤشراً على مستوى القلق العالمي تجاه التطورات الإقليمية.
وأظهرت متابعات ميدانية لموقع “رويداد 24” مع وكالات السفر أن الخدمات القنصلية المقدمة من الدول الأوروبية تراجعت بشكل كبير، حيث يقتصر حالياً الحصول على التأشيرات على فرنسا وإسبانيا وبريطانيا فقط.
السفارة الألمانية: أغلقت أم لا؟
تصدر خبر إغلاق السفارة الألمانية في طهران عناوين الصحف الإيرانية بعد لقاء وداع السفير الألمان مع وزير الخارجية الإيراني، وتم التوضيح لاحقاً أن الإعلان عن الإغلاق كان مرتبطاً بأيام الحرب بين إيران وإسرائيل، وأن السفارة الآن تعمل بشكل طبيعي. وفي فيديو نشره السفير الألماني، أعلن مغادرته طهران لأسباب شخصية، لكنه أشار إلى أن السفارة ستستأنف أنشطتها القنصلية بعد انتهاء الحرب، مع تقليص عدد الموظفين وتقليص إمكانية إصدار التأشيرات. وبذلك، تقتصر الخدمات القنصلية في السفارة الألمانية على الحالات الطارئة.
السفارات الأخرى: قيود واسعة على النشاط القنصلي
أعلنت سفارة النمسا تعليق جميع خدماتها القنصلية حتى إشعار آخر بسبب الظروف الأمنية، بما في ذلك رفض الطلبات الجديدة وإلغاء المواعيد المحجوزة.
بدورها، أعادت السفارة الفرنسية فتح أبوابها بعد إغلاق مؤقت في أبريل، لكنها اقتصرت على حماية المواطنين الفرنسيين ومتابعة الأمور الأمنية، وأوصت المقيمين بمغادرة إيران جواً أو برًا.
كما استأنفت السفارة الإيطالية خدماتها القنصلية وإصدار التأشيرات منذ 13 يوليو المنصرم، لكنها لم تفتح المجال لتقديم طلبات جديدة، ولم تُصدر أي تأشيرات سياحية خلال العامين الماضيين.
وأغلقت سفارات هولندا والتشيك أبوابها مؤقتاً بسبب الوضع الأمني، مع توقعات ببدء استئناف الخدمات تدريجياً مطلع سبتمبر المقبل.
وأعادت سفارة السويد، التي أُغلقت في 7 يوليو، نشاطها مع خدمات قنصلية محدودة، فيما تعمل السفارة السويسرية بحذر شديد وتحذر مواطنيها من السفر إلى إيران، لافتة إلى أن الخدمات قد تصبح محدودة إذا تدهورت الأوضاع أكثر.
أما السفارة البريطانية، فقد أعادت فتح أبوابها في 16 يوليو المنصرم بعد إغلاق مؤقت، وتقدم حالياً خدمات قنصلية محدودة.
ردود الفعل المماثلة في الأزمات
تصبح حالة عمل السفارات في طهران أكثر دلالة عند إدراك أن الدول الأجنبية أظهرت في أزمات سابقة سلوكاً مشابهاً من خلال تقليص خدماتها ونشاطاتها في البلاد. هذه المواقف لم تكن مقتصرة على حالات الحرب فقط، فقد اتخذ الأوروبيون في بعض الفترات قرارات مماثلة لأسباب سياسية. على سبيل المثال، في عام 2022، وخلال احتجاجات وفاة مهسا أميني، قلصت العديد من السفارات الأوروبية في إيران خدماتها القنصلية أو أوقفتها بالكامل. مثال آخر هو رد فعل ألمانيا على إعدام الناشط السياسي جمشید شارمهد، حيث تم خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية في تلك الفترة. تعكس هذه الردود مدى حساسية الدول الأوروبية تجاه التطورات الداخلية في إيران، ورغبتها في الحد من وجودها أثناء الأزمات الأمنية.
أهمية إغلاق السفارات
لا يعكس الوضع الحالي للسفارات في إيران، خاصة بعد الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، المخاوف الأمنية فحسب، بل أيضاً تقييم العالم للمخاطر الإقليمية والسيناريوهات المحتملة في الشرق الأوسط.
يشير تقليص الخدمات القنصلية والإغلاق المؤقت للسفارات إلى خوف أوروبا من تصاعد التوتر واحتمال وقوع مواجهة مباشرة أو غير مباشرة لإيران مع دول المنطقة والعالم.
كما تمثل هذه الإجراءات ضغطاً دبلوماسياً غير مباشر على إيران لإدارة سياساتها الأمنية والنووية، وذلك بالتزامن مع اقتراب المهل الأوروبية لتفعيل آلية الزناد.
ويعد فيديو السفير الألماني وتقليص عدد الموظفين مثالاً واضحاً على أن الدول، حتى تلك التي تربطها علاقات جيدة تقليدياً مع إيران، مستعدة لتقليص نشاطها في فترات عدم الاستقرار.
لذلك، تشكل حالة السفارات العالمية في طهران مرآة للوضع الإقليمي، وتعكس مستوى القلق الدولي من التطورات الراهنة والمتوقعة. وتشبه هذه الحالة ما شهدناه بعد أحداث مهسا أميني في 2022، لكنها أكثر خطورة وحدّة بسبب مخاطر الحرب والتوترات الإقليمية الجديدة.



