إنذار أم ضغط سياسي على بغداد.. ماذا وراء التحذيرات الأمريكية من داعش؟

تزامُن انسحاب القوات الأمريكية، مع التحذيرات التي أطلقتها سفارة واشنطن في بغداد من خطر تنظيم داعش، يثير أسئلة عدة داخل الأوساط السياسية والشعبية.

ميدل ايست نيوز: تزامُن انسحاب القوات الأمريكية، مع التحذيرات التي أطلقتها سفارة واشنطن في بغداد من خطر تنظيم داعش، يثير أسئلة عدة داخل الأوساط السياسية والشعبية، ففيما يرى مراقبون أن هذه التحذيرات لا تعدو كونها دعوات اعتيادية لرفع مستوى الحذر، يعتقد آخرون أنها إنذار جدي يستند إلى معلومات دقيقة حول تحركات التنظيم، وفي مقابل ذلك، يربط البعض توقيت هذه التحذيرات بالبعد السياسي، معتبرا أنها قد تستخدم لتبرير استمرار الوجود الأمريكي أو إعادة صياغته في إطار “شراكة أمنية” جديدة.

ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، إن “هذه ليست المرة الأولى التي حذرت فيها الولايات المتحدة من خطر تنظيم داعش، فمثل هذه التحذيرات تأتي في إطار سياق عمل اعتيادي، يندرج ضمن رفع حالة الحيطة والحذر والانتباه الشديدين”.

ويضيف أبو رغيف، أن “تنظيم داعش، حتى إذا نشط أو حاول العودة، فإنه لن يعود إلى سالف عهده إبان ما كان يسمى بدولة التمكين، ربما يتمكن من تنفيذ عمليات محدودة وعلى فترات متباعدة، لكن ذلك لن يشكل خطرا حقيقيا، وذلك بفضل الجهد الاستخباراتي والمخابراتي، والإحاطة الكاملة ببنية التنظيم وهيكليته وعناصره”.

ويتابع أن “التنظيم الآن في العراق بات شبه جامد وشبه مشلول، بسبب اندثار ما كان يسمى بولايته وإماراته، فضلا عن مقتل الرعيل الأول من قادته من الجيلين الثاني والثالث، فيما توزّع بقية عناصره ما بين قتيل ومعتقل ومهزوم، أو من يلعق جراحه في مناطق متفرقة”.

ويؤكد الخبير الأمني البارز، أن “هذه التحذيرات لا ينبغي أن تُفهم على أنها تهديدات مباشرة، بقدر ما هي دعوات لمزيد من أخذ الحيطة والحذر، وضمان عدم إتاحة أي فرصة أمام التنظيم لإعادة تشكيل صفوفه أو إيجاد موطئ قدم جديد له”.

وبشأن الانسحاب العسكري الأمريكي، يرى أنه “لا يعني انقطاع أثرها في مجالات التعاون الأخرى، إذ سيبقى هناك تعاون في الجهد الاستخباراتي والمعلوماتي والتسليحي والتجهيزي والتطويري، فضلا عن رفد المنظومة الأمنية العراقية بكل ما تحتاجه من رفع مستوى القدرات القتالية، وكذلك الجوانب الفنية والاستخباراتية والمعلوماتية”.

وأطلقت السفارة الأمريكية في العراق، أمس الأول السبت، تحذيرا من توسع الأنشطة التي يقوم بها تنظيم “داعش في العراق وسوريا، وأعربت في بيان على منصة “أكس”، عن قلقها “العميق إزاء العمليات المستمرة والتوسعات الإقليمية لتنظيمي داعش في العراق والشام، والقاعدة، كما تشيّد الولايات المتحدة بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي واصلت الضغط لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا والصومال، الأمر الذي حدّ من عمليات داعش”.

وردا على ذلك التحذير، قال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، السبت، إن “عصابات داعش الإرهابية لا تشكل خطراً على العراق وهي مشلولة بفضل يقظة القوات الأمنية وضرباتها المستمرة”، لافتاً إلى أن “الحدود مؤمنة بالكامل”.

من جهته، يصر الخبير الأمني علاء النشوع، أن “التحذيرات الأمريكية صحيحة، فالأمريكان يمتلكون معلومات تفصيلية عن تنظيم داعش، وعن حجمه وقوته ومواقع تواجده في العراق وسوريا”.

ويضيف النشوع، أن “هناك تقارير أمريكية أشارت بوضوح إلى أن التنظيم ينشط في مناطق مثل البادية السورية ووادي حوران وسلسلة جبال حمرين، حيث رُصدت تحركات سابقة له، كما يمتلك قدرات على شن عمليات تستهدف بعض خطوط التماس وحتى المدن”.

ويوضح أن “العمليات الجوية والإنزالات التي تنفذها القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي أجبرت التنظيم على إخفاء تحركاته بشكل كبير جدا، لأنه لا يمتلك خطوط دفاع أو قدرات جوية تمكنه من مواجهة طيران التحالف الذي يزود العراق بمعلومات استخبارية دقيقة ومفصلة عن كل تحركاته في المنطقة”.

أما في ما يخص الجهوزية العراقية لمواجهة التنظيم، يرى الخبير الأمني، أن “العراق يحتاج بشكل ملح إلى دعم جوي واستخباري دقيق يضمن تأمين الحدود بشكل أفضل، على الرغم من امتلاك القوات العراقية قدرات برية وأرضية كافية لخوض المعركة، لكن هذه القدرات تبقى بحاجة إلى غطاء جوي قوي يمنحها التفوق في المواجهة البرية”.

ويختم بالقول، إن “داعش ما زال يمتلك معلومات دقيقة عن القطعات العراقية العسكرية وغير العسكرية، بما فيها قوات الحشد الشعبي التي تمتلك بدورها بعض الإمكانات مثل الطائرات المسيّرة، الأمر الذي يجعل من الدعم الجوي والاستخباري ركنا أساسيا لحسم أي مواجهة مقبلة مع التنظيم”.

وكشفت وسائل إعلام عربية، أمس الأحد، أن الولايات المتحدة قررت بشكل مفاجئ سحب جميع قواتها من قاعدتين في العراق، وأوضحت سكاي نيوز، نقلا عن مصادر، أن واشنطن قررت بشكل مفاجئ سحب جميع جنودها من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا بالعراق.

وأشارت إلى أن “الأميركيين أبلغوا نظراءهم العراقيين أنهم سيسرعون عملية الانسحاب ولن يلتزموا بالجدول الزمني الموضوع ضمن اتفاقية الإطار بين البلدين”.

ومع أن التحذير الأمريكي ليس جديدا بحد ذاته، إلا أن مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، يجد من جهته، أن الانسحاب “يحمل دلالات سياسية وأمنية مهمة”، موضحا أن “هذه التحذيرات تشير إلى وجود واقع أمني مقلق، فداعش خسر السيطرة الجغرافية على المدن، لكنه لم يُهزم أيديولوجيا أو تنظيميا، وما يزال يمتلك خلايا نائمة تتحرك في مناطق واسعة مثل ديالى، كركوك، صلاح الدين، حوض حمرين، والمناطق الصحراوية بين الأنبار ونينوى”.

ويضيف فيصل، أن “العمليات الأمنية العراقية الأخيرة كشفت أن التنظيم ما زال قادرا على تنفيذ هجمات نوعية، وإن كانت محدودة، ما يعني أن الخطر لم ينته تماما”.

ولكن الباحث والمحلل السياسي البارز، يرى أن “التحذير الأمريكي قد يُستخدم أيضا كأداة ضغط لتبرير استمرار الوجود العسكري الأمريكي أو إعادة صياغته بصيغة شراكة أمنية بدلا من انسحاب كامل، خاصة وأن واشنطن قلقة من توسع النفوذ الإيراني في العراق بعد تقليص وجودها العسكري”.

ويتابع أن “أي عودة لنشاط داعش في العراق ستكون مرتبطة بالوضع في سوريا، حيث ما تزال هناك آلاف العناصر للتنظيم في مناطق شرق الفرات والبادية السورية، وهذا يهدد بفتح ممرات تسلل جديدة بين البلدين”.

ويشير فيصل، إلى أن “التحالف الدولي كان يوفر للعراق دعما استخباريا وجويا متطورا، في حين لا يمتلك العراق حتى الآن بدائل مكافئة في مجالات الطائرات المسيرة أو الاستطلاع الجوي أو تحليل البيانات الاستخبارية، وهو ما قد يترك فراغا يمكن أن يستفيد منه التنظيم”.

ويردف: “بالرغم من مقتل أمير داعش في العراق والشام ووجود تنسيق أمني بين قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي، إلا أن خطورة التنظيم تكمن في طبيعته العابرة للحدود، فهو تنظيم أممي لا يعترف بالدول، ويتنقل مقاتلوه بين القارات، وقد تسببوا بمقتل الآلاف”.

ويخلص إلى أن “المعركة مع داعش لم تنته، فهو ما يزال موجودا كإرهاب وفكر عقائدي وحاضنة اجتماعية، وفي سوريا على وجه الخصوص ما زال التنظيم يمتلك أعدادا كبيرة ظهرت أكثر من مرة عبر عمليات تفجيرية متعددة، ولذلك فإن الاتفاق الأمني مع واشنطن يجب أن يكون واضحا، فإذا أرادت الولايات المتحدة الاستمرار، فينبغي أن يكون ذلك عبر اتفاق معلن مع الحكومة العراقية يضمن دعم الجهد الأمني والاستخباري لمواجهة هذا التحدي المستمر”.

وأعلنت السفارة الأمريكية في العراق، في وقت سابق، أن التحالف الدولي في العراق سينتقل إلى شراكة أمنية ثنائية، وقالت في بيان إن “هذا ليس نهاية عمل التحالف الدولي لهزيمة داعش، إذ سيواصل جهوده المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي”، لافتة إلى أن “مهمة التحالف العسكرية في العراق ستنتقل إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى