من الصحافة الإيرانية: التحركات الأميركية في فنزويلا وارتباطها باحتواء إيران ومحور المقاومة
تجمع التحركات الأميركية في فنزويلا بين منطق «الهيمنة» و«الحرب بالوكالة». فالولايات المتحدة تسعى عبر الضغط العسكري والاقتصادي إلى تثبيت تفوقها ومنع نفوذ خصومها.

ميدل ايست نيوز: تشكل التحركات العسكرية الأخيرة للولايات المتحدة في منطقة البحر الكاريبي وسواحل فنزويلا، عبر نشر واسع لقطع بحرية وسفن هجومية وطائرات استطلاع وقوات خاصة، تشكل واحدة من أبرز التطورات الجيوسياسية في القارة الأميركية خلال الأعوام الأخيرة. وبرغم تبرير واشنطن لهذه الخطوات تحت شعار «مكافحة عصابات المخدرات»، إلا أن قراءتها في إطار النظريات الاستراتيجية تكشف أهدافاً تتجاوز الرواية المعلنة. التقرير التالي، الذي نشره موقع “دبلوماسي إيراني” للكاتب وحید افراسیابان (طالب دكتوراه في الدراسات الإقليمية بجامعة العلامة الطباطبائي)، يستعرض أبعاد هذه التحركات وصلتها باستراتيجية «احتواء إيران» ومحور المقاومة، فضلاً عن تداعياتها المحتملة.
١- السياق الجيوسياسي والاستراتيجي
تعد فنزويلا إحدى الدول المحورية في أميركا اللاتينية، لما تمتلكه من احتياطيات نفطية هائلة وموقع استراتيجي في الكاريبي، فضلاً عن علاقاتها الوثيقة مع إيران والصين وروسيا. جيوسياسياً، إن السيطرة عليها تمثل أولوية حيوية للولايات المتحدة التي تعتبر أي نفوذ منافس في هذه المنطقة تهديداً مباشراً لمصالحها. ووفق نظرية «الاحتواء» التي صاغها جورج كينان، فإن التحركات الأميركية في فنزويلا يمكن قراءتها كجزء من محاولة للحد من نفوذ إيران وحلفائها وإضعاف محور المقاومة.
وتعد كاراكاس إحدى القواعد الاستراتيجية لإيران في القارة الأميركية، ما يجعلها ركناً أساسياً في توسيع العمق الاستراتيجي لطهران. وبالتالي فإن إضعاف أو إسقاط هذا الحليف يشكل جزءاً من استراتيجية أميركية أشمل تستهدف الحد من القوة الإيرانية.
عسكرياً، جاء نشر مدمرات صاروخية وغواصات هجومية وسفن إنزال برمائية إلى جانب 4 آلاف عنصر من القوات الخاصة بالقرب من السواحل الفنزويلية، ليعكس استعداداً لسيناريو يتراوح بين استعراض القوة والتدخل المباشر. كما تكشف الطلعات المكثفة لطائرات الإنذار المبكر (أواكس) والاستطلاع عن عملية واسعة لجمع المعلومات الاستخبارية. هذه الخطوات تندرج في إطار «استعراض القوة» بهدف ردع كاراكاس وتوجيه رسائل مباشرة إلى حلفائها، ولا سيما إيران.
في المقابل، فإن تبرير هذه التحركات بذريعة «مكافحة المخدرات» يتناقض مع الواقع، إذ إن فنزويلا، وإن كانت جزءاً من مسارات التهريب، إلا أن حجم نشاطها يبقى أقل من دول أخرى ككولومبيا والمكسيك. ما يشير إلى أن الهدف الحقيقي هو ممارسة ضغط جيوسياسي على حكومة نيكولاس مادورو وحلفائها.
٢- الصلة باحتواء إيران ومحور المقاومة
منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، وبالأخص في عهدي هوغو تشافيز ونيكولاس مادورو، أصبحت فنزويلا أحد الحلفاء الرئيسيين لإيران. وأسهم التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتجارة، وحتى العسكرية، في تحويل هذا البلد إلى قاعدة استراتيجية لحضور إيران في منطقة لطالما كانت تحت النفوذ الأمريكي. ويكتسب العمق الاستراتيجي أهمية بالغة في الاستراتيجية العسكرية والجيوسياسية الإيرانية، حيث تمنح فنزويلا طهران القدرة على توسيع نفوذها خارج منطقة الشرق الأوسط. ويمكن تحليل التحركات الأمريكية في فنزويلا على ثلاثة مستويات، جميعها تهدف إلى احتواء إيران ومحور المقاومة.
-
توسيع العمق الاستراتيجي الإيراني: إذ توفر فنزويلا لطهران منفذاً إلى موارد وأسواق وشبكات سياسية في أميركا اللاتينية. إسقاط حكومة مادورو يعني فقدان هذا الامتداد.
-
رسائل ردع إلى حلفاء إيران: أي عمل ضد كاراكاس يشكل إنذاراً إلى شركاء طهران في أفريقيا (كالجزائر) وآسيا (العراق ولبنان) بأن الشراكة مع إيران مكلفة.
-
التركيز على الشرق الأوسط: تحييد فنزويلا كحليف لطهران يتيح لواشنطن حشد موارد أكبر للضغط على إيران ومحور المقاومة في المنطقة، خصوصاً في ظل تصاعد التوتر في الخليج.
٣- ردود فعل فنزويلا وتداعياتها
أعلن الرئيس نيكولاس مادورو تعبئة 4.5 مليون عنصر من قوات الدفاع الشعبي ونشرهم في مختلف أنحاء البلاد استعداداً لمواجهة أي تدخل خارجي. هذه الخطوة تندرج ضمن نظرية «الحرب غير المتكافئة» حيث تعتمد الدول الأضعف على تعبئة شعبية واستراتيجيات حرب عصابات لمواجهة قوى عظمى.
وتمنح الجغرافيا الوعرة لفنزويلا وغاباتها الكثيفة قدرة دفاعية عالية ضد أي غزو محتمل. في المقابل، تصف كاراكاس تهديدات واشنطن بأنها «دليل عجز» وتؤكد استعدادها لخوض مواجهة شاملة، في محاولة لحشد الرأي العام المحلي والدولي ضد أي تدخل.
٤- التداعيات المحتملة على إيران ومحور المقاومة
نجاح واشنطن في إحداث تغيير سياسي بفنزويلا ستكون له انعكاسات مباشرة على إيران ومحورها:
-
تصاعد الضغوط: خسارة فنزويلا ستعني تفرغ واشنطن لزيادة الضغط العسكري والاقتصادي على إيران.
-
إضعاف محور المقاومة: غياب حليف استراتيجي في أميركا اللاتينية سيؤثر على تماسك شبكة التعاون التي تقودها طهران.
-
تزايد العزلة الجيوسياسية: تقليص نفوذ إيران يعزز موازين القوى لصالح الولايات المتحدة.
-
انعكاسات على سوق الطاقة: السيطرة الأميركية على احتياطات فنزويلا النفطية قد تؤدي إلى سياسات ضغط عبر التأثير على أسعار النفط عالمياً، بما يضر الاقتصاد الإيراني.
٥- قراءة استراتيجية
استراتيجياً، تجمع التحركات الأميركية في فنزويلا بين منطق «الهيمنة» و«الحرب بالوكالة». فالولايات المتحدة تسعى عبر الضغط العسكري والاقتصادي إلى تثبيت تفوقها ومنع نفوذ خصومها. كما أن هذه الخطوات تندرج في إطار سياسة «الضغط الأقصى» على إيران، والتي تستهدف إضعاف اقتصادها ونفوذها السياسي وقدرتها العسكرية.
ووفق نظرية «المجموع الصفري»، فإن أي مكسب أميركي في فنزويلا يعني بالضرورة خسارة لإيران وحلفائها، وهو ما قد يعيد تشكيل موازين القوى عالمياً لصالح واشنطن ويضع طهران في موقع أكثر هشاشة.