العراق يتحدى التصحر بخطة زراعية جديدة تعتمد الطاقة الشمسية
أعلنت وزارة الزراعة العراقية، عن قرب إطلاق خطة شاملة لتوسيع الرقعة الزراعية في المناطق الصحراوية، رغم الأزمة الكبيرة والخطيرة التي يمر بها العراق بسبب الجفاف.

ميدل ايست نيوز: أعلنت وزارة الزراعة العراقية، عن قرب إطلاق خطة شاملة لتوسيع الرقعة الزراعية في المناطق الصحراوية، رغم الأزمة الكبيرة والخطيرة التي يمر بها العراق بسبب الجفاف. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، تتجاوز مساحة الأراضي المتصحرة في العراق 27 مليون دونم، فيما تصل نسبة الأراضي المهددة بالتصحر إلى نحو 55% من إجمالي الأراضي الزراعية.
وقال مدير عام دائرة الغابات ومكافحة التصحر في الوزارة، بسام كنعان عبد الجبار، في تصريح لصحيفة “الصباح” العراقية الرسمية، إن وزارة الزراعة تسعى، وبالشراكة مع مختلف المؤسسات الحكومية المختصة، لإعداد خطة وطنية لتوسعة الرقعة الزراعية في المناطق الصحراوية، عبر اعتماد حملات تشجير لنبات الفستق الحلبي بالاعتماد على الري بالتنقيط من الآبار العاملة بمنظومات الطاقة الشمسية.
وأضاف أن الوزارة نفذت مشاريع استراتيجية عدة لمكافحة التصحر، شملت تطوير مشاريع التشجير ومكافحة التدهور البيئي، إضافة إلى تنمية الغطاء النباتي عبر استغلال وتثبيت الكثبان الرملية، وزراعة آلاف الشتلات المتحملة للجفاف والملوحة لتكون مصدات للرياح، فضلاً عن دورها بما هي حزام أخضر حيوي في مواجهة التغير المناخي والتصحر.
وأشار عبد الجبار إلى أن دائرة الغابات تنفذ حالياً مشروع (مبادرة التحالفات العربية للبحث العلمي والابتكار) بدعم اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، بمشاركة فرق بحثية من العراق ومصر والأردن، ويهدف إلى معالجة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي وتأثيراته على الإنتاج الزراعي والحيواني.
وتابع: “وزارة الزراعة ترعى أيضاً حملة كبرى لإكثار بذور النباتات الطبية والعطرية التي تعرضت للانقراض، وتعمل على إدامتها وزراعتها في الحقول والمحطات بمحافظات الأنبار وكربلاء والنجف، إلى جانب إكثار النباتات الرعوية بعد موافقة المجلس الوطني للبذور، وتوسيع الغطاء النباتي لرعي الثروة الحيوانية في محطات المراعي بالمحافظات المشمولة”.
ويُصنَّف العراق ضمن أكثر 5 دول تأثراً بالتغيرات المناخية والجفاف عالمياً. وكشف تقرير سابق لمنظمة الهجرة الدولية أن 12 ألفاً و212 عائلة عراقية نزحت بسبب الجفاف في عشر محافظات وسط وجنوب البلاد، وكانت محافظات ذي قار وميسان والديوانية الأكثر تضرراً.
من جهته، حذّر الخبير في الشأن الزراعي والمائي عادل المختار، في تصريح لـ”العربي الجديد”، من خطورة المضي في خطط توسيع المساحات الزراعية في المناطق الصحراوية، في وقت يواجه فيه البلد واحدة من أشد أزماته المائية منذ عقود.
وأوضح أن العراق يمر بمرحلة حرجة على مستوى الأمن المائي، إذ شهدت السنوات الأخيرة انخفاضاً كبيراً في إيرادات نهري دجلة والفرات، إلى جانب تراجع الأمطار، ما أدى إلى انحسار الأراضي الزراعية وتضرر مئات الآلاف من المزارعين. وفي ظل هذه الظروف، فإن التوسع في الزراعة بالصحارى يمثل خطراً مضاعفاً، كونه يعتمد أساساً على استنزاف المياه الجوفية غير المتجددة، والتي تُعد مخزوناً استراتيجياً.
وأضاف المختار أن المياه الجوفية في العراق تتعرض اليوم لضغط هائل، والإفراط في استخدامها للزراعة في مناطق هشة سيؤدي إلى تدهور نوعية المياه وزيادة نسب الملوحة، فضلاً عن تسريع نضوبها، ما يهدد الأمن المائي الوطني على المديين المتوسط والبعيد.
وحذّر أيضاً من أن التوسع في الخطة الزراعية الحالية، من دون دراسة دقيقة للموارد المائية المتاحة، قد يتسبب بكارثة بيئية وزراعية، وقد أثبتت التجارب السابقة أن التوسع غير المخطط في استصلاح الأراضي الصحراوية لم يكن مجدياً اقتصادياً، إذ غالباً ما تُترك الأراضي بعد سنوات قليلة بسبب نفاد المياه أو تملح التربة.
وتابع القول أن حماية الموارد المائية اليوم تعادل حماية الأمن الوطني، وأي قرارات متسرعة لتوسيع الزراعة في الصحارى قد تعالج مشكلة آنية لكنها ستفتح الباب أمام أزمات أكبر في المستقبل. المطلوب رؤية استراتيجية متوازنة تراعي محدودية المياه وتضمن في الوقت نفسه تحقيق الأمن الغذائي بشكل مستدام.
ويواجه العراق حالياً أزمة مياه خانقة تُصنَّف “كارثة واقعية”، تفاقمت بفعل التغيرات المناخية وتناقص الإيرادات المائية من نهري دجلة والفرات نتيجة سياسات دول المنبع. وتنذر هذه الأزمة بعواقب وخيمة على الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة. وفي ظل هذا الواقع المأزوم، اضطرت الحكومة لاتخاذ قرارات استثنائية، أبرزها تقليص الخطة الزراعية الصيفية وتوجيه الموارد المائية الشحيحة نحو تأمين مياه الشرب فقط، في خطوة تعكس حجم التحدي الذي تواجهه البلاد في إدارة ملف المياه.