من الصحافة الإيرانية: أستراليا ولعبة التوازن السلبي

يبدو قرار أستراليا بحق السفير الإيراني وكأنه استهداف مباشر لدفع إيران إلى تغيير جذري في سياستها تجاه إسرائيل، وفي الوقت نفسه الضغط على نتنياهو لإبداء مرونة تجاه الفلسطينيين، سعياً لرسم مشهد إقليمي جديد.

ميدل ايست نيوز: في خطوة غير متوقعة، منحت الحكومة الأسترالية السفير الإيراني في كانبرا مهلة سبعة أيام لمغادرة البلاد برفقة عدد من موظفيه، كما علقت عمل سفارتها في طهران ونقلت طاقمها الدبلوماسي إلى دولة ثالثة. وأعلن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيسي أن القرار جاء بسبب ما وصفه بـ«تورط السفارة الإيرانية في أعمال معادية للسامية» داخل أستراليا، وذلك في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وكتب أحمد زید آبادي، صحفي ومحلل في الشؤون السياسية، في تقرير نشرته صحيفة هم ميهن، أن الأسبوع الماضي شهد خروج عشرات الآلاف في مظاهرات على جسر ميناء سيدني، نددوا خلالها بمجازر غزة وحصارها، وطالبوا بوقف فوري للحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، فيما شهدت الأشهر الأخيرة هجمات استهدفت بعض المراكز اليهودية في أستراليا. وقد ادعت وكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية أن لإيران يداً في اثنين من هذه الحوادث وأشارت إلى دور للحرس الثوري، في حين تعهد ألبانيسي بإدراج الحرس على قائمة «المنظمات الإرهابية».

في المقابل، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي هذه الاتهامات، مؤكداً أن «مفهوم معاداة السامية لا وجود له في ثقافتنا وتاريخنا، وهو ظاهرة غربية أوروبية بحتة».

جاءت الخطوة الأسترالية فيما تمر علاقات حكومة ألبانيسي مع إسرائيل بتوتر متصاعد، خاصة بعد إعلان كانبرا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في سبتمبر المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقد أثار هذا الإعلان غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف ألبانيسي بأنه «سياسي ضعيف» واتهمه بـ«خيانة إسرائيل والتخلي عن يهود أستراليا». وردّ أحد أعضاء الحكومة الأسترالية قائلاً إن «قوة الحاكم لا تُقاس بعدد الأبرياء الذين يقتلهم ويجوعهم».

ويبدو أن قرار ألبانيسي بطرد السفير الإيراني لا ينفصل عن هذا التوتر مع تل أبيب. المتحدث باسم الخارجية الإيرانية لمح إلى ذلك بالقول إن «الإجراء ضد إيران، الذي هو في جوهره ضد الدبلوماسية والعلاقات بين الشعبين، جاء لتعويض بعض الخطوات المحدودة التي اتخذتها أستراليا بحق الكيان الصهيوني».

في القراءة الأولى، قد يُفهم أن أستراليا تسعى إلى خلق «توازن سلبي» في علاقاتها بين طهران وتل أبيب عبر اتخاذ إجراءات قاسية ضد إيران، مقابل مواقف رمزية تجاه إسرائيل. لكن خلفيات المشهد تبدو أعمق من ذلك.

الدول الغربية، التي بدت عاجزة أمام الهجوم الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وجدت نفسها في موقع المتفرج، وهو ما ولّد شعوراً بالحرج والعجز لديها. وبما أنها لم تمتلك أدوات ضغط حقيقية على حكومة نتنياهو، خصوصاً في ظل الدعم المطلق الذي حظيت به إسرائيل من إدارة ترامب، فقد لجأت هذه الدول إلى إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية كخطوة لتعويض هذا العجز.

صحيح أن هذا الاعتراف لا يغير عملياً شيئاً في واقع غزة والضفة الغربية، لكنه أثار غضب واشنطن وردود فعل حادة من حكومة نتنياهو. وهنا حاول الحلفاء الغربيون إظهار نوع من «التوازن» عبر تصعيد موقفهم ضد إيران، التي تُقدَّم باعتبارها «العدو الأول لإسرائيل» و«الداعم الرئيسي لحركة حماس»، لتخفيف الضغوط الموجهة ضدهم من واشنطن وتل أبيب.

وتبدو الخطة المعلنة وكأنها تستهدف دفع إيران إلى تغيير جذري في سياستها تجاه إسرائيل، وفي الوقت نفسه الضغط على نتنياهو لإبداء مرونة تجاه الفلسطينيين، سعياً لرسم مشهد إقليمي جديد.

لكن المعضلة تكمن في أن الإجراءات الغربية ضد إيران، مثل طرد السفراء وتفعيل آليات الضغط وتشديد العقوبات، تأتي ذات طابع عملي ومؤثر، بينما تبقى خطواتهم تجاه إسرائيل في حدود التوقيع على بيانات وإعلانات لا تتجاوز الورق.

 

احمد زيد آبادي

اقرأ المزيد

صحيفة إيرانية تدعو لمعاقبة لندن ردا على قرار أستراليا طرد السفير الإيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى