من الصحافة الإيرانية: الرد على “آلية الزناد” في ثنائية الحرب والسلام
يقف الملف النووي الإيراني عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تختار طهران نهج المواجهة والإجراءات المضادة وما يترتب عليه من كلفة باهظة، أو أن تتبنى قدراً من المرونة والتعاون المحسوب بما يتيح فرصة جديدة للدبلوماسية.

ميدل ايست نيوز: بعد أن أقدمت الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) على إرسال رسالة إلى مجلس الأمن الدولي لبدء تفعيل آلية الزناد وإعادة العقوبات الدولية على إيران، دخل المشهد السياسي والدبلوماسي في البلاد مرحلة من التفاعلات المتناقضة والحاسمة. ففي حين يصر بعض أعضاء البرلمان الإيراني على طرح قوانين عاجلة للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يؤكد مسؤولون حكوميون ووزارة الخارجية، إلى جانب إقرارهم بضرورة الرد بالمثل، استعدادهم لمواصلة التفاوض وحل الأزمة عبر المسار الدبلوماسي. هذا التباين في المواقف يضع إيران على أعتاب مرحلة مفصلية تمتد ثلاثين يوماً قد تغير مستقبل الملف النووي وموقع البلاد في النظام الدولي بشكل جذري.
البرلمان الإيراني: انسحبوا من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية
وقالت صحيفة “توسعه إيراني” في مواجهة خطوة الترويكا الأوروبية، أعلن نواب البرلمان الإيراني، خصوصاً التيار المتشدد، عن إعداد مشاريع عاجلة للرد على تفعيل آلية الزناد. فقد كشف نائب رئيس لجنة المادة 90 في البرلمان الإيراني، حسين علي حاجي دليغاني، عن بدء صياغة مشروع عاجل يقضي بانسحاب إيران الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي.
وأوضح أن المشروع سيُرفع، غداً الجمعة، على النظام الداخلي للبرلمان ليخضع خلال الجلسات العلنية للأسبوع المقبل للمسار القانوني الخاص بالمناقشة والتصويت.
وقال حاجي دليغاني بشأن تفعيل “آلية الزناد” (سناب باك): “كما كان متوقعاً، أعلنت الدول الثلاث.. ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تفعيل هذه الآلية”، مضيفاً: “هذه الدول كانت تطبق علينا تبعات آلية الزناد، بما فيها العقوبات، حتى قبل إعلانها الرسمي، وهذا ليس جديداً”.
وانتقد حاجي دليغاني بشدة أداء الفريق الدبلوماسي الإيراني ووزير الخارجية في التعامل مع هذه الدول، معتبراً أن المفاوضات والاتصالات السابقة معها “غير مجدية”، وأنها ساهمت في تمكين هذه الدول من المضي في نهجها.
وشدد إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، على ضرورة اتخاذ “قرار حاسم” وعدم “التراجع”، معتبراً أن خطوة الدول الأوروبية الثلاث “أضعفت مسار التعاون بين إيران والوكالة الدولية”. فيما ذهب حميد رسائي، النائب البرلماني المتشدد، إلى المطالبة بـ”طرد سفراء الدول الأوروبية”، في حين رأى إبراهيم رضائي، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي، أن تمديد الاتفاق النووي “بلا جدوى” وقال: “إيران يجب أن تكون مستعدة للحرب”.
هذه المواقف تعكس ميلاً متجذراً لدى بعض التيارات المتشددة في إيران لقطع الصلة مع الغرب وتبني سياسات أكثر هجومية، حتى وإن أدت إلى تصعيد التوترات.
جهاز الدبلوماسية: نحن مستعدون للتفاوض
في مقابل لهجة البرلمان المتشددة، تبنى مسؤولو الحكومة ووزارة الخارجية في إيران خطاباً مختلفاً وأكثر دبلوماسية. فقد أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي أكد قبل نحو شهر استمرار تعاون إيران مع الوكالة الدولية، في رسالة إلى كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، استعداد طهران لاستئناف مفاوضات “عادلة ومتوازنة” حول البرنامج النووي، شرط أن يبدي الطرف الغربي “حسن نية وجدية”.
مفترق طرق مصيري
يقف الملف النووي الإيراني عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تختار طهران نهج المواجهة والإجراءات المضادة وما يترتب عليه من كلفة باهظة، أو أن تتبنى قدراً من المرونة والتعاون المحسوب بما يتيح فرصة جديدة للدبلوماسية. في هذا السياق، تناول محللون ومسؤولون سابقون تداعيات تفعيل آلية الزناد.
وحذر علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية، من أن خطوات مثل الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية قد تجعل الدبلوماسية الإيرانية أكثر تعقيداً. أما وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف فشدد في تحليله على أن الولايات المتحدة هي من انتهك الاتفاق النووي، مؤكداً أن إيران لا يجب أن تُلام على “نتائج نكث الآخرين لالتزاماتهم”. هذا الدفاع عن الموقف الإيراني وانتقاد أداء الأطراف الأخرى يعكس استمرار خط فكري دبلوماسي يعتبر أن إيران ضحية لعدم التزام الغرب، وهو ما دفع بدوره إلى طرح خيار المواجهة الكاملة ووقف الحوار على طاولة السياسة الخارجية، ليجد البلد نفسه أمام مفترق طرق.
مع رسالة الدول الأوروبية الثلاث إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية الزناد، دخل مسار إعادة فرض القرارات السابقة ضد إيران حيز التنفيذ. وخلال 29 يوماً المقبلة، ستكون طهران مطالبة باتخاذ قرار سيحدد ليس فقط مستقبل الملف النووي، بل أيضاً موقعها الإقليمي والدولي. التباين في المواقف بين البرلمان والحكومة يضع صناع القرار أمام تحدٍّ معقد. فهل ستتجه إيران نحو المواجهة والانسحاب من المعاهدة، أم أنها، رغم الضغوط الداخلية والخارجية، ستختار طريق الدبلوماسية والتفاوض لتجاوز هذه الأزمة المصيرية؟ الجواب سيتضح خلال الثلاثين يوماً المقبلة.