“فوضی وصراعات وانهیار اقتصادي”.. ما التداعيات المحتملة لتطبيق الفصل السابع على إيران؟

إن الفصل السابع يظل أداة قوية بيد مجلس الأمن، غير أن استخدامه غالباً ما جاء محكوماً بالاعتبارات السياسية للدول الكبرى وافتقر إلى خطط لإدارة ما بعد العقوبات أو التدخل.

ميدل ايست نيوز: يمنح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (المواد 39-51) مجلس الأمن صلاحية تحديد التهديدات ضد السلم أو خرقه أو وقوع أعمال عدوانية، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل معها. فالمادة 39 تلزم المجلس بتشخيص هذه التهديدات، فيما تنص المادة 41 على التدابير غير العسكرية مثل العقوبات الاقتصادية وقطع العلاقات الدبلوماسية وفرض قيود على الاتصالات. وإذا اعتُبرت هذه التدابير غير كافية، تمنح المادة 42 الإذن باستخدام القوة العسكرية.

وقد وُضع هذا الفصل بعد فشل عصبة الأمم في تنفيذ القرارات الملزمة، ليكون لمجلس الأمن القدرة على التحرك الحاسم. كما تعترف المادة 51 بحق الدفاع الفردي أو الجماعي المشروع، على أن تُبلَّغ هذه الإجراءات إلى مجلس الأمن. ورغم أن الفصل السابع صُمم أداة لحفظ السلم العالمي، إلا أن تطبيقه واجه انتقادات واسعة بسبب خضوعه للاعتبارات السياسية للدول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا، وفرنسا). فالقرارات كثيراً ما تأثرت بالمصالح الوطنية لهذه الدول، ما أدى أحياناً إلى ممارسات تمييزية أو غير فعالة. على سبيل المثال، حال استخدام الصين وروسيا لحق النقض ضد قرارات بشأن سوريا بين 2011 و2014 دون اتخاذ إجراءات تحت الفصل السابع، بينما فُرضت تدابير سريعة على العراق وليبيا. هذا التناقض يعكس حدود مجلس الأمن في فرض العدالة الدولية.

ما أبرز الدول التي خضعت للفصل السابع؟

  1. العراق: بعد غزوه الكويت في أغسطس 1990، فُرضت عليه عقوبات شاملة بموجب القرار 661 (6 أغسطس 1990)، تضمنت حظراً تجارياً وتجميداً للأصول وقيوداً على النفط. وبعد حرب الخليج 1991، جاء القرار 687 لفرض شروط وقف إطلاق النار والتفتيش على الأسلحة. وفي 2003، استُخدم القرار 1441 لاتهام العراق بعدم التعاون مع المفتشين، ما مهد الطريق لغزو أميركي بريطاني. العقوبات دمّرت اقتصاد العراق خلال التسعينيات، وأدى الغزو إلى سقوط نظام صدام حسين، لكنه جلب فوضى سياسية وصعود جماعات مسلحة مثل داعش، ما أظهر إساءة استخدام الفصل السابع من جانب قوى غربية وأضر بشرعية مجلس الأمن.
  2. ليبيا: في 1992، فرض القرار 748 عقوبات تشمل حظراً للسلاح والطيران والعلاقات الدبلوماسية بعد تفجير طائرة “بان آم” (الرحلة 103). وفي 2011، أصدر مجلس الأمن القرار 1973 الذي أجاز تدخلاً عسكرياً من الناتو لحماية المدنيين من قمع نظام معمر القذافي. ورغم أن العقوبات قلّصت صادرات النفط، فإن التدخل العسكري أسقط القذافي لكنه أدخل ليبيا في فوضى سياسية وصراعات قبلية. تقرير الأمم المتحدة عام 2020 قدّر وجود 400 ألف نازح داخلي واستمرار النزاعات.
  3. كوريا الشمالية: منذ 2006، وبعد تجاربها النووية، فُرضت عليها عقوبات متتالية بموجب القرارات 1718 و1874 و2375، شملت قيوداً اقتصادية وعسكرية قاسية. التجارة الخارجية تراجعت 80%، ووفق تقرير “يونيسف” لعام 2024، يعاني 43% من الأطفال دون الخامسة من سوء تغذية مزمن. ورغم ذلك، واصلت بيونغ يانغ تطوير برنامجها النووي، حيث كشف تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2025 عن زيادة مخزونها من البلوتونيوم.
  4. السودان: في 2005، فرض القرار 1591 عقوبات بسبب أزمة دارفور، شملت حظراً للسلاح وتجميد أصول مسؤولين متهمين بجرائم حرب. وفي 2023، صدر القرار 2686 بفرض عقوبات إضافية على خلفية الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع. العقوبات أضعفت صادرات النفط، إذ تراجعت العائدات من 5.8 مليار دولار في 2010 إلى 1.2 مليار فقط في 2023. تقرير أممي عام 2024 أشار إلى مجاعة في دارفور ونزوح تسعة ملايين شخص. ونتيجة لذلك، أدت العقوبات إلى تقليص نفوذ حكومة عمر البشير، ولكن استمرار الصراع والمجاعة يوضحان عجز الفصل السابع عن معالجة جذور الأزمات الداخلية.

تداعيات محتملة لتطبيق الفصل السابع على إيران

تشير تجارب الدول السابقة إلى أن نتائج الفصل السابع تختلف باختلاف طبيعة التدابير وظروف الدول المستهدفة. فبحسب تقرير “مجلس العلاقات الخارجية” لعام 2025، أدت العقوبات إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي في 60% من الحالات، لكنها لم تغيّر سلوك الحكومات سوى في 20% منها. أما التدخلات العسكرية ـ كما في العراق وليبيا ـ فغالباً ما أسفرت عن فوضى مزمنة.

العقوبات عادة ما تقلّص التجارة والاستثمارات وتقيّد الوصول إلى الموارد، وهو ما شهدته بغداد وطرابلس بوضوح. كوريا الشمالية واجهت عزلة اقتصادية خانقة، فيما غرق السودان في مجاعة وانهيار موارده النفطية. وفي أغلب الحالات، قادت العقوبات أو التدخلات إما إلى تغيير أنظمة الحكم (العراق، ليبيا) أو إلى عزلة سياسية حادة (كوريا الشمالية)، لكنها زادت حدة الصراعات الداخلية وأضعفت الدولة المركزية دون معالجة جذور الأزمات.

وبذلك، فإن الفصل السابع يظل أداة قوية بيد مجلس الأمن، غير أن استخدامه غالباً ما جاء محكوماً بالاعتبارات السياسية للدول الكبرى وافتقر إلى خطط لإدارة ما بعد العقوبات أو التدخل، ما جعل نتائجه تتجاوز الهدف الأصلي إلى آثار إنسانية وسياسية سلبية، وأضعف في بعض الحالات شرعية مجلس الأمن نفسه.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى