العراق: ترحيل التصويت على قانون “الحشد الشعبي” إلى ما بعد الانتخابات
تلاشى الحديث الرسمي عن مشروع قانون "الحشد الشعبي" الذي سعت كيانات سياسية وممثلو فصائل مسلحة لإقراره في البرلمان العراقي طوال الأشهر الماضية.

ميدل ايست نيوز: تلاشى الحديث الرسمي عن مشروع قانون “الحشد الشعبي” الذي سعت كيانات سياسية وممثلو فصائل مسلحة لإقراره في البرلمان العراقي طوال الأشهر الماضية، وذلك بعد سحبه من جداول أعمال الجلسات المنعقدة خلال الأسبوعين الماضيين. وفيما لم يُكشف عن الجهة التي سحبته من البرلمان، إلا أنّ تأكيدات سياسية عراقية أنهت الجدل بشأن المشروع بالتأكيد على ترحيله إلى البرلمان الجديد، بعد الانتخابات المرتقبة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بسبب التهديدات الأميركية التي وصلت إلى بغداد بشأن إقراره.
وكشف نائب رئيس البرلمان العراقي شاخوان عبد الله أنّ “مشروع قانون الحشد الشعبي لن يُقرّ ولن يُمرر تحت قبة البرلمان، لأنه يضرّ بمصالح جميع العراقيين”، مؤكداً في تعليقات لصحافيين أنّ “العراق ما زال بحاجة إلى القوات الأميركية وقوات التحالف لأن تنظيم داعش لم يُقضَ عليه بشكل كامل”. وجاء هذا التراجع تجسيداً لحجم الضغوط الخارجية والتباينات الداخلية التي تحيط بملف “الحشد الشعبي” والفصائل المسلحة (يتألف الحشد الشعبي من 70 تشكيلاً وفصيلاً مسلحاً في العراق).
ورغم أنّ أعضاء في مجلس النواب من المؤيدين لإقرار قانون “الحشد الشعبي” أكدوا أنّ رئيس الحكومة محمد شياع السوداني سحب القانون من البرلمان إلى مجلس الوزراء لمنع التصويت عليه، إلا أنّ الحكومة لم تردّ على هذه المعلومات، لكن مصدراً سياسياً مطلعاً قال لـ”العربي الجديد”، اليوم الأربعاء، إنّ “ترحيل قانون الحشد الشعبي تم بموافقة أحزاب وكتل تحالف الإطار التنسيقي، الحاكم في البلاد، والذي يضمّ كل الأحزاب الشيعية المشاركة في الحكومة”، مبينة أنّ “الإطار الذي كان يطالب بإقرار قانون الحشد الشعبي، صُدم بالتهديدات الأميركية الكبيرة تجاه العراق والعراقيين بسبب القانون، ما دفعهم إلى إبلاغ الحكومة بموافقة التحالف بشأن سحبه وتأجيل التصويت عليه”.
ولفت مصدر آخر، مقرّب من “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي، أنّ الأخير “لم يقبل سحب مشروع قانون الحشد، وطالب بإقراره وجعل الولايات المتحدة الأميركية أمام الأمر الواقع، إلا أنّ الإجماع الشيعي أغلق الطريق على المالكي”، مؤكداً أنّ “بعض الأحزاب داخل الإطار التنسيقي طالبت بإجراء تعديلات على مشروع القانون والتنازل عن بعض الامتيازات بما ينسجم مع تكوين جبهة إسناد عسكرية للجيش العراقي، وقطع الطريق على محاولات خلق جيش جديد”.
من جهته، قال النائب العراقي هادي السلامي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الحكومة أقدمت قبل أيام، بشكل مفاجئ، على سحب قانون الحشد الشعبي، رغم قراءة القانون مرتين داخل مجلس النواب، وهو جاهز للتصويت (..) سحبه يثير علامات استفهام كثيرة، خصوصاً في ظل الموقف الأميركي المعلن والواضح ضد القانون”، مضيفاً أنّ “الحكومة العراقية مطالبة ببيان أسباب الإقدام على سحب القانون، وهل هو تماشٍ مع فرض الإرادة الأميركية، أم هناك أسباب أخرى؟ نحن قدمنا أسئلة برلمانية رسمية للحكومة بخصوص هذه الخطوة وننتظر الاجابة، لكن لغاية الآن لا إجابة، والموقف الحكومي مبهم”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، كشف رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني عن رسائل أميركية للقادة السياسيين ترفض فيها تمرير قانون “الحشد الشعبي”. وكشف زعيم تيار “الحكمة” عمار الحكيم في وقت سابق عن مطالباتٍ أميركية بحلّ “الحشد الشعبي” أو “توجيه ضربات له، ناهيك برسائل مباشرة وغير مباشرة من المجتمع الدولي وصلت إلى الحكومة العراقية، تمضي جميعها باتجاه واحد، وهو أن إقرار القانون يعني “تكريساً للنفوذ الإيراني في العراق”.
وتُحدّد مواد مشروع القانون الـ18 مهمة هيئة الحشد بـ”حماية النظام” و”الدفاع عن البلاد وحماية وحدة وسلامة أراضيها ومكافحة الإرهاب”، كما تمنح أفراد “الحشد الشعبي” امتيازات مالية توازي تلك التي يتمتع بها أفراد الجيش العراقي، وتُخصَّص موازنة سنوية لتطويرها وتسليحها أسوة بوزارة الدفاع. لكن أفراد “الحشد الشعبي” سيحملون صفة “مجاهد” وليس “مقاتل”. وبحسب مشروع القانون، يكون رئيس الهيئة بدرجة وزير، ويكون عضواً في اللجنة الوزارية للأمن القومي، وبإمكانه تخويل بعض صلاحياته إلى رئيس الأركان أو الأمين العام للهيئة، وعليه أن يمارس صلاحيات وزير الدفاع لتطبيق القوانين العسكرية على منتسبي الهيئة.
وترتبط بـ”الحشد الشعبي”، وفقاً لمشروع القانون، 16 إدارة ومديرية عامة، منها رئاسة الأركان، والأمانة العامة، والدائرة الإدارية والمالية، وشركة المهندس العامة للمقاولات. كما ستكون لـ”هيئة الحشد الشعبي” أكاديمية عسكرية تسمى “أكاديمية الحشد الشعبي” على غرار أكاديميات وزارتي الدفاع والداخلية، وتمنح شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية لخريجي الأكاديمية.
من جهته، كشف عضو تحالف “الإطار التنسيقي” عدي الخدران أنّ “اجتماع الرئاسات الأربع الأخيرة، شهد الاتفاق على تأجيل تمرير قانون الحشد الشعبي وسحب القانون من مجلس النواب، من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي وكذلك منع البلاد من أن تكون جزءاً من أي تصعيد في المنطقة”، مؤكداً، في تصريحٍ صحافي، أنّ “تأجيل إقرار القانون يعني ترحيله إلى مجلس النواب القادم وكذلك الحكومة العراقية القادمة”.
لكن الخبير الأمني أحمد الشريفي، أشار إلى أنّ “البرلمان القادم قد لا يستطيع هو الآخر إقرار قانون الحشد الشعبي إذا بقيت الإرادة الدولية وتحديداً الأميركية مدفوعة بمواقف الكيان الإسرائيلي، وقد يتطور من دمج الحشد مع المؤسسات العسكرية العراقية إلى تفكيكه، وهنا سندخل حالة فوضى سياسية جديدة”، معتبراً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنّ “قانون الحشد قد يتحول إلى قانون جدلي ينضم إلى القوانين التي تُرحل كل دورة برلمانية، إذ إنّ هناك نحو 130 مشروع قانون لم يتم تمريرها خلال الدورة الحالية، وتم ترحيلها إلى البرلمان المقبل، بسبب غياب التوافقات السياسية، وسوء إدارة الوقت التشريعي، إضافة إلى التدخلات الخارجية”.
يشار إلى أن “هيئة الحشد الشعبي” تأسست بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40، فيما أعلنت رئاسة الوزراء في العام نفسه ضم قوات “الحشد الشعبي” إلى القوات المسلحة. وفي عام 2020، جرت معادلة راتب عنصر “الحشد الشعبي” براتب الجندي في الجيش العراقي البالغ مليوناً و250 ألف دينار، أي نحو ألف دولار، إلى جانب منح عناصر الحشد المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع تأكيد توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً، ما زال كل فصيل مسلح (في الحشد) يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.