من الصحافة الإيرانية: الانسحاب من معاهدة الحظر النووي “ردع أم عزلة”؟

تبقى التحديات الاقتصادية هي النقطة الأبرز. فحتى وإن لم يكن لعودة قرارات مجلس الأمن أثر مباشر على الاقتصاد الإيراني، فإن انعكاساتها النفسية قد تؤثر في أسعار الصرف والتضخم والاستثمار.

ميدل ايست نيوز: جعلت خطوة دول الترويكا الأوروبية في تفعيل آلية الزناد،  البرلمان الإيراني إحدى أبرز ساحات السياسة في البلاد خلال الأيام الأخيرة. فالمحافظون الذين يسيطرون على الغالبية الساحقة من المقاعد المتأثرة بالتيارات المتشددة، طرحوا سيناريوهات أبرزها خروج إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحتى إغلاق مضيق هرمز.

وقالت صحيفة شرق في مقال لها، إن هذه المطالب، وفق مراقبين، لا تغيّر فقط قواعد اللعبة في الملف النووي الإيراني، بل قد تدفع علاقات طهران مع أوروبا إلى توترات أعمق، ما يفتح الباب أمام مواجهات متعددة المستويات وتكاليف باهظة على البلاد. لكن وفق الإطار الدستوري والقانوني، فإن اتخاذ قرار بهذا الحجم هو من صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي الذي تتحول مصوباته إلى قانون بعد مصادقة المرشد الأعلى، وبالتالي فإن أي مصادقة برلمانية منفردة لا تكفي للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. غير أن بعض النواب يسعون عبر طرح مشاريع مستقلة داخل قاعة البرلمان إلى تسجيل موقف سياسي يعكس ضغوطاً وصراعات داخلية أكثر من كونه قراراً قانونياً محسوباً.

جلسة غير علنية هدفها الردع

في هذا السياق، عقد البرلمان الإيراني جلسة غير علنية لبحث أبعاد الخطوة الأوروبية. محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، شدد خلالها على ضرورة اتخاذ «إجراء ردعي» من جانب طهران يثني الأوروبيين عن المضي في تفعيل آلية الزناد. وأكد أن «القرار الموحد للنظام سيُعلن قريباً»، في إشارة إلى أن المشاورات ما زالت جارية بين مراكز صنع القرار. من جانبه، قال عباس كودرزي، المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، إن لجنة الأمن القومي قدمت تقريراً مفصلاً حول التداعيات المحتملة لتفعيل الآلية. وأضاف أن «يد إيران مليئة» ولن تتراجع في أي سيناريو، معتبراً أن حتى في أسوأ الاحتمالات فإن عودة قرارات مجلس الأمن الستة لن يكون لها أثر اقتصادي كبير، لأن إيران تخضع حالياً لأكثر من ألفي عقوبة أميركية، ما يجعل أدوات العقوبات الأممية شبه مستنفدة.

الحرب النفسية؛ البعد المغفول من آلية الزناد

أظهرت تصريحات النواب الإيرانيين إدراكاً بأن آلية الزناد تحمل بعداً نفسياً أكثر منه اقتصادياً. فالغرب، بحسب قراءتهم، يسعى إلى خلق مناخ من الخوف والشك داخل إيران يؤثر على سوق الصرف والاستثمار والرأي العام. لهذا حذر كودرزي قائلاً «يجب على المسؤولين القيام بدورهم الفعال وأن يساهم الإيرانيون أيضاً» في مواجهة هذه الحرب النفسية وإبطال مفعول هذه الأداة. تُعد هذه التصريحات من بين اللحظات النادرة الواقعية في تصريحات نواب البرلمان الإيراني، إذ تكشف أن خلف الشعارات المتشددة هناك وعي بأبعاد الحرب النفسية.

من الخروج من معاهدة NPT إلى إغلاق مضيق هرمز؛ سيناريوهات مكلفة

أكثر ما يثير المخاوف بين الخبراء هو حجم المقترحات الراديكالية المطروحة من بعض النواب الإيرانيين. فقد أعلن كامران غضنفري، ممثل طهران وعضو لجنة الشورى، أن غالبية المجلس يؤيد الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، معتبراً أن ذلك لا يحتاج إلى إذن من المرشد الأعلى وأنه ضمن صلاحيات البرلمان. هذه الخطوة تتناقض مع الدستور الذي يضع القرارات الاستراتيجية للأمن القومي ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي. غضنفري ذهب أبعد من ذلك بطرح خيار إغلاق مضيق هرمز أمام السفن المرتبطة بإسرائيل، مشبهاً ذلك بما تفعله جماعة أنصار الله في باب المندب. هذه الطروحات، رغم جاذبيتها الإعلامية، يمكن أن تفتح الباب لمواجهة مباشرة مع القوى الكبرى وتفرض على البلاد أعباء أمنية واقتصادية جسيمة.

يعكس إصرار النواب على أن الانسحاب من المعاهدة ضمن صلاحياتهم، بحسب محللين، سوء فهم لموقع البرلمان الإيراني داخل هيكل السلطة. حتى لو أقر البرلمان مشروعاً كهذا فلن ينفذ من دون مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي والمرشد الأعلى. في الواقع، هذه الطروحات تزيد الضغوط على الحكومة ووزارة الخارجية، وتعقّد الأجواء المحيطة بأي مفاوضات محتملة. غضنفري وجه كذلك انتقادات حادة للفريق المفاوض على الاتفاق النووي، متسائلاً عن السبب في قبول إدراج آلية الزناد ضمن الاتفاق، وهو ما اعتُبر توظيفاً سياسياً داخلياً أكثر من كونه نقاشاً عملياً لحل الأزمة.

في نهاية المطاف، تبقى التحديات الاقتصادية هي النقطة الأبرز. حتى وإن لم يكن لعودة قرارات مجلس الأمن أثر مباشر على الاقتصاد الإيراني، فإن انعكاساتها النفسية قد تؤثر في أسعار الصرف والتضخم والاستثمار. النواب يكررون أن «الأوضاع لن تسوء أكثر»، لكن الواقع أن الاقتصاد الإيراني هش للغاية، وأي صدمة جديدة يمكن أن تترك كلفة معيشية على المواطنين. وفي هذه الظروف، يرى محللون أن الشعارات المتشددة لا تساعد في تجاوز الأزمة بل تعمّق انعدام الثقة الداخلي.

تحتاج إيران، وفق مراقبين، إلى رد قوي ورادع على خطوة الأوروبيين، لكن التحدي يكمن في صياغة هذا الرد بشكل يحمي المصالح الوطنية من دون دفع البلاد إلى نقطة اللاعودة. فالانسحاب من معاهدة الحظر النووي أو إغلاق مضيق هرمز قد يُنظر إليهما رمزياً كإظهار للقوة، لكن عملياً سيعني فتح جبهات ضغط جديدة على طهران.

يشير متابعون إلى أن المطلوب اليوم كما هو بناء إجماع داخل منظومة الحكم واتخاذ قرارات مبنية على حسابات دقيقة أمنية واقتصادية. المجلس الأعلى للأمن القومي له الدور المحوري في نقل مسار القرار من دائرة الشعارات السياسية إلى النهج العقلاني. أما البرلمان ونوابه، فإن أراد أن يكون فاعلاً، فعليه أن يركز على دعم التنسيق الوطني وتقديم حلول عملية للتخفيف من الآثار النفسية للعقوبات بدلاً من الدفع نحو انسحابات مكلفة من الاتفاقيات. تجربة السنوات الماضية أظهرت أن إيران تمكنت من تجاوز أزمات مشابهة بمزيج من المقاومة والدبلوماسية، والاختبار الحالي يمكن أن يتحول بدوره إلى فرصة لتعزيز التماسك الداخلي والمرونة في السياسة الخارجية، شرط أن تُتخذ القرارات على أساس العقلانية لا تحت تأثير التيارات المتشددة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى