إيران أمام استدارة مصيرية

الحصول على تسليح متطور لا يمكن أن يأتي إلا من روسيا أو الصين، اللتين لن تقدما هذه القدرات بلا مقابل، عبر ترتيبات جيوسياسية وأمنية تجعل إيران أكثر التحاماً بالمحور الشرقي وأبعد عن الغرب.

ميدل ايست نيوز: في أجواء حرب لم تبرد، زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الصين ليشارك في قمة شنغهاي، ثم جلس أربع ساعات مطولة مع بوتين، قبل أن يصطف في مقاعد كبار الحاضرين للعرض العسكري الصيني. لم يكن الأمر بروتوكولاً عادياً، بل إشارة إلى أن إيران تفتح صفحة جديدة في دفتر تحالفاتها. في التصريحات اكتفى بزشكيان بعبارات مثل التوصل إلى “تفاهمات مهمة” و”قرارات استراتيجية” من دون الكشف عن طبيعتها، لكن هذه اللغة ليست مجرد تبادل ابتسامات، بل مقدمة لخيارات استراتيجية قد تعيد رسم موقع إيران على خريطة التحالفات.

بعد حرب يونيو/ حزيران الماضي، تجد إيران نفسها أمام واقع جديد يفرض إعادة تقييم سياساتها. منذ الثورة الإسلامية رفعت طهران شعار “لا شرق ولا غرب”، لكن العقود الماضية شهدت تدهور العلاقات المستمر مع الغرب وتحسنها النسبي مع الشرق، من دون انخراط رسمي في “المعسكر الشرقي”. الحكومات الإصلاحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، من محمد خاتمي مروراً بحسن روحاني وصولاً إلى الحكومة الحالية، حاولت تحقيق توازن في العلاقات وحل الملفات مع الغرب وأميركا، لكنها فشلت، وجاءت الضربات الإسرائيلية والأميركية لتغلق الأبواب. كما كشفت تجربة الحرب حاجة إيران الملحة للحصول على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة والرادارات، ما يجعل صانع القرار أكثر ميلاً وربما مضطراً للاقتراب من “المعسكر الشرقي”، ليس بوصفه خياراً أيديولوجياً، بل باعتباره ضرورة أمنية وسياسية.

والحصول على تسليح متطور لا يمكن أن يأتي إلا من روسيا أو الصين، اللتين لن تقدما هذه القدرات بلا مقابل، عبر ترتيبات جيوسياسية وأمنية تجعل إيران أكثر التحاماً بالمحور الشرقي وأبعد عن الغرب. كما تدرك موسكو وبكين خطورة الوضع واحتمال تبدل التوازنات الجيوسياسية، وتعرفان أن أي بديل للجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون موالياً للغرب، ما يعني إعادة رسم الخريطة من الشرق الأوسط إلى القوقاز وآسيا الوسطى لصالح الغرب. بكين وموسكو أمام استحقاق هذه المرحلة، وكذلك إيران أمام لحظة مفصلية. هناك احتمال حصول اندماج محسوب في المعسكر الشرقي تُبقي فيه خطوط اتصال مفتوحة مع أوروبا، مستفيدة من المظلة الشرقية لتقوية دفاعاتها وتعزيز اقتصادها، محافظة على هامش مناورة يتيح مفاجأة الخصوم وطمأنة الجيران.

أما الاحتمال الثاني فهو الانزلاق الكامل إلى المعسكر الشرقي، لتصبح إيران شريكاً أمنياً وثيقاً للصين وروسيا، ما يمنحها مكاسب تسليحية وتقنية، لكنه يربط قراراتها بعلاقات التحالف مع تلك القوى، بما يمكن أن يتعارض مع أولوياتها التاريخية أو الإقليمية. هذا المسار معقد يتطلب براعة دبلوماسية وانضباطاً في ترتيب الأولويات لتجنب الوقوع في التبعية لروسيا والصين. هذا التحول إن حصل فسيعني الانتقال إلى مرحلة “ما بعد لا شرق ولا غرب”. أما العقبة الأبرز أمام تحقيق إيران مكاسب تاريخية من هذه الاستدارة الاستراتيجية، فهي تشابك شراكات الصين وروسيا مع قوى إقليمية معادية كإسرائيل أو ندية كتركيا والسعودية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى