من الصحافة الإيرانية: المنظور قصير المدى وأزمة الفرص في دبلوماسية طهران

غالباً ما تقع الدبلوماسية الإيرانية لأسباب هيكلية ومؤسساتية في فخ التفكير قصير المدى. هذه النظرة تتأثر بشكل رئيسي بدورات السياسة الداخلية وتغيير الحكومات وإعطاء الأولوية للقضايا الأيديولوجية والأمنية الفورية.

ميدل ايست نيوز: في الأشهر الأخيرة، واجهت الدبلوماسية الإيرانية تحديات وفرصاً متزامنة تعكس الطبيعة المعقدة والمتوترة للسياسة الخارجية للبلاد. فمن جهة، فرضت التطورات الإقليمية والدولية ضغوطاً على طهران وأظهرت الحاجة المتزايدة إلى اتخاذ قرارات سريعة واستراتيجية، ومن جهة أخرى، أثرت التفاعلات الداخلية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية على آفاق السياسة الخارجية قصيرة المدى، ما جعل إدارة الفرص تصطدم بقيود عملية. وفي مثل هذا الوضع، فإن النظرة قصيرة المدى إلى القضايا الدولية لا تهدد فقط استقرار الدبلوماسية وتماسكها، بل قد تؤدي أيضاً إلى فقدان فرص استراتيجية.

وقالت صحيفة شرق في مقال لها، إن الدبلوماسية الإيرانية غالباً ما تقع، لأسباب هيكلية ومؤسساتية، في فخ التفكير قصير المدى. هذه النظرة تتأثر بشكل رئيسي بدورات السياسة الداخلية، وتغيير الحكومات، وإعطاء الأولوية للقضايا الأيديولوجية والأمنية الفورية. وغالباً ما تُتخذ القرارات الدبلوماسية كرد فعل على تطورات آنية وضغوط خارجية، لا على أساس استراتيجية طويلة الأمد ومستقرة. وقد أدى ذلك إلى ما يشبه “تسييس الدبلوماسية”، حيث تُختزل المصلحة الوطنية في مكاسب رمزية آنية وسريعة الزوال. وبدلاً من أن تكون الدبلوماسية أداة استباقية لبناء المستقبل، أصبحت في موقع الانفعال ورد الفعل.

النتيجة المباشرة لهذا النهج هي “أزمة فقدان الفرص”. فقد وجدت إيران نفسها مراراً عند منعطف تاريخي نحو تطبيع العلاقات مع الغرب، ورفع العقوبات، والمشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي، لكنها في النهاية خسرت هذه النوافذ بسبب العجز عن تجاوز الأطر قصيرة المدى وعدم التزام الأطراف الأخرى. والمفاوضات النووية المتكررة أبرز مثال على ذلك، حيث عرّضت أحياناً الخلافات على تفاصيل صغيرة والبحث عن مكاسب فورية كامل المعادلة للخطر. ولم يسفر ذلك فقط عن فقدان الثقة الدولية، بل حمل أيضاً تكاليف لا تعوض على البلاد.

لكسر هذه الحلقة، تحتاج إيران إلى تحول جذري في التفكير الدبلوماسي. هذا التحول يقتضي الانتقال من الرؤية الأيديولوجية إلى مقاربة اقتصادية-استراتيجية، وبناء توافق وطني حول المصالح طويلة المدى، وتعديل النهج الدبلوماسي في مواجهة تقلبات السياسة. وحده هذا المسار يمكن أن يوفر قدراً من التوقعية في السلوك الدولي ويعزز الثقة ويتيح استغلال الفرص لضمان المصالح الوطنية على المدى الطويل. من دون هذا التغيير، ستظل الدبلوماسية الإيرانية أسيرة ردود الفعل قصيرة المدى وخسارة الفرص. وفيما يلي، ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا النهج:

السيناريو الأول: استمرار الوضع القائم

في هذا السيناريو، تبقى الدبلوماسية الإيرانية أسيرة دورة التفكير قصير المدى والانفعال. ويؤدي تغيير الحكومات إلى تحولات حادة في السياسة الخارجية، حيث تتجاهل كل حكومة إرث سابقتها. وتغلق فرص الخروج من الأزمات، مثل رفع العقوبات أو تطبيع العلاقات، تباعاً نتيجة غياب المرونة، والتركيز على المكاسب الرمزية، والعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة في وقتها. ومع تراكم الضغوط الاقتصادية والدولية، تجد إيران نفسها في عزلة متزايدة وعلى هامش النظام الدولي. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً على المدى القصير.

السيناريو الثاني: تصاعد الأزمة والمواجهة

في هذا السيناريو، يؤدي استمرار التفكير قصير المدى وتضييع الفرص المتكرر إلى أزمة أكبر لا يمكن إدارتها. وتضع القرارات الانفعالية والمرتبطة بمصالح لحظية إيران في مواجهة مباشرة مع قوى دولية أو إقليمية. وتشمل النتائج زيادة العقوبات، وتراجعاً حاداً في العائدات الوطنية، وتصاعد التوترات الأمنية. وفي هذه الحالة، ينكمش هامش المناورة الدبلوماسية بشكل كبير، وتضطر البلاد إلى قبول شروط أشد مقابل مكاسب محدودة، ما يعمق الأزمة بدلاً من حلها.

السيناريو الثالث: التحول الاستراتيجي وتغيير النموذج

في هذا السيناريو، يتوصل النخب السياسيون والاقتصاديون في إيران إلى إجماع وطني حول ضرورة تغيير النهج الدبلوماسي. وتؤدي التجربة المتراكمة من التكاليف الباهظة للتفكير قصير المدى إلى بلورة استراتيجية طويلة الأمد، مستقرة وعابرة للانقسامات السياسية. وتُعزز المؤسسات الدبلوماسية وتتحصن أمام تقلبات السياسة. وتتمكن إيران من استباق الأحداث وبناء الثقة والعودة إلى المجتمع الدولي عبر دبلوماسية نشطة وقابلة للتوقع. وعلى الرغم من صعوبة هذا التحول واحتياجه إلى وقت، فإنه يفتح على المدى البعيد الباب أمام رفع تدريجي للعقوبات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الأمن والرفاه الوطني. غير أن هذا السيناريو، رغم كونه الأمثل، يبدو أقل احتمالاً في الوقت الراهن.

للخروج من دوامة التفكير قصير المدى، تبدو الحاجة ملحة إلى صياغة “استراتيجية وطنية كبرى” مدعومة بتوافق عابر للتيارات. ينبغي أن تُعد هذه الوثيقة بالتنسيق بين المؤسسات السياسية والحاكمة، وأن تعيد تعريف الأهداف طويلة المدى، والمصالح الوطنية، والمبادئ الثابتة للدبلوماسية الإيرانية، استناداً إلى الظروف الراهنة إقليمياً ودولياً، بحيث لا تؤثر تغيرات الحكومات في جوهرها.

كما أن تعزيز المؤسسات المتخصصة والدبلوماسية للحد من القرارات الانفعالية واللحظية يمثل خياراً عملياً. ويمكن لإنشاء “مجلس استراتيجي أعلى للدبلوماسية”، يضم خبراء مستقلين ومخضرمين، أن يسهم في قرارات مبنية على تحليلات دقيقة للتكاليف والفوائد وبعيدة عن الانفعالات المؤقتة.

ويُعد تنفيذ دبلوماسية تدريجية قائمة على بناء الثقة لاستعادة المصداقية الدولية ضرورة لا يمكن إنكارها. إذ تستطيع إيران، من خلال التركيز على حل أزمة محدودة أو الوفاء الكامل بالتزام دولي واحد، أن تُظهر حسن نيتها. مثل هذه النجاحات الصغيرة ولكن الموثوقة، توفر رأس مال سياسي يمكن استثماره في مفاوضات أكبر وأكثر حساسية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى