كارثة بيئية وصحية تهدد “أرومية” ثاني أكبر بحيرة في العالم.. ما هي التداعيات؟
هناك احتمال ضئيل أن تستعيد بحيرة أرومية عافيتها الكاملة حتى عام 2035، حتى مع اتخاذ إجراءات عاجلة وجادة. لكن إذا جرى تعزيز الجهود الحالية بشكل كبير فقد يكون إنعاش جزء منها ممكناً.

ميدل ايست نيوز: لا تثير الرياح الخريفية التي تهب على قاع بحيرة أرومية الجاف والمتشقق الغبار فحسب، بل تحمل أيضًا حبيبات الملح والسموم الزراعية إلى القرى والمدن المحيطة. الحياة على أطراف هذا المسطح المائي، بين الأمل في عودته وكابوس الكارثة البيئية، تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
تحدث مهدي زارع، الباحث وأستاذ علوم الجيولوجيا، في مقابلة مع موقع رويداد 24، عن مستقبل بحيرة أرومية في العقد المقبل قائلاً: إن الآفاق تعتمد على الإجراءات التي ستُتخذ في السنوات القادمة. لكنه أوضح أنه استناداً إلى المسارات الحالية والمعرفة العلمية المتوفرة، يمكن رسم سيناريو محتمل للسكان المحيطين بالبحيرة حتى عام 2035 في حال استمرار جفافها أو تعافيها الجزئي.
وشدد زارع على أن «الكارثة البيئية والصحية ستكون الأثر الأكثر إلحاحاً وشدة في هذه المنطقة». وبيّن أن الجفاف الشديد للبحيرة يزيد خطر العواصف الترابية والملحية على نحو خمسة ملايين نسمة يعيشون في حوضها، كما يؤدي إلى تراجع حاد في أعداد قشريات الأرتميا المالحة وطيور الفلامينغو، وإلى تضرر الأنشطة الزراعية والسياحية. وأضاف أن الجفاف أدى إلى اندماج الجزر الجنوبية الأربع معاً وخلق جسور يابسة تهدد حياة الثدييات التي كانت تعيش فيها، مثل غزال إيران والماعز البري الأرمني.
تفشي الأمراض وتآكل التربة
وأشار أستاذ علوم الجيولوجيا إلى دور الأنهار قائلاً: «أكثر من 90 في المئة من مياه بحيرة أرومية تأتي من الأنهار الجنوبية، وهذه خاضعة بدرجة كبيرة لسيطرة السدود. ومع استمرار هذا الوضع، فإن أزمة العواصف الملحية السنوية ستشتد خاصة في سبتمبر وأكتوبر من كل عام، أي مع نهاية السنة المائية السابقة وبداية الجديدة. القاع الجاف للبحيرة، المختلط بمواد كيميائية سامة من مخلفات الزراعة – مثل المبيدات والأسمدة – سيصبح مكشوفاً، والرياح تحول هذه الرواسب إلى عواصف ملحية متكررة وعنيفة».
وحذّر من أنه في حال استمرار هذا الاتجاه خلال الأعوام المقبلة، فإن «أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية وسرطان الرئة، إضافة إلى أمراض العيون والجهاز الهضمي ومشكلات الجلد، ستنتشر على نطاق واسع. المنطقة ستشهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات الوفيات المبكرة وتراجعاً حاداً في جودة الحياة. كما أن العواصف الملحية ستغطي الأراضي الزراعية بطبقة من الملح تقلل تدريجياً خصوبة التربة وتدمر المحاصيل، ما يخلق حلقة مفرغة تجعل الزراعة مستحيلة وتفاقم الأزمة الاقتصادية».
وأضاف زارع أن الغبار المالح يستقر فوق الجبال المغطاة بالثلوج غرباً، فيسرّع ذوبانها ويُلوث مصادر المياه العذبة بالملح والسموم، لتصبح مياه الآبار غير صالحة للشرب.
وتابع قائلاً: «الاقتصاد المحلي، المعتمد بشدة على الزراعة والسياحة، سيتعرض لانهيار أكبر. ملوحة التربة ستجعل مساحات واسعة من الأراضي غير قابلة للاستغلال، ما يؤدي إلى زيادة حادة في تكاليف استيراد الغذاء. هذه البحيرة كانت مقصداً سياحياً وطنياً ودولياً بفضل جمالها وخصائصها العلاجية، وأي عملية إنقاذ أو حتى تعافٍ جزئي لها يمكن أن ينعش اقتصاد السياحة الفريد في المنطقة».
الهجرة والأزمة السكانية
ووصف الباحث الإيراني الهجرة الجماعية بأنها النتيجة المريرة لجفاف البحيرة، وقال: «الشباب في سن العمل سيضطرون إلى مغادرة المنطقة نحو مدن أكبر مثل تبريز وطهران أو حتى إلى خارج البلاد».
كما حذّر من التداعيات الاجتماعية للأزمة قائلاً: «مع ندرة المياه العذبة وازدياد ملوحتها، ستتصاعد النزاعات بين المجتمعات المحلية والمزارعين وحتى بين المحافظات للحصول على مياه صالحة للشرب. البطالة الواسعة والفقر سيفاقمان تآكل رأس المال الاجتماعي. كما قد تشهد منطقة شمال غرب إيران، ذات الكثافة السكانية الكبيرة، تغييرات ديموغرافية حادة بفعل موجات النزوح السكاني».
هل من الممكن إنقاذ البحيرة؟
اعتبر زارع احتمال عودة البحيرة إلى وضعها السابق ضعيفاً للغاية: «هناك احتمال ضئيل أن تستعيد البحيرة عافيتها الكاملة حتى عام 2035، حتى مع اتخاذ إجراءات عاجلة وجادة. لكن إذا جرى تعزيز الجهود الحالية بشكل كبير – مثل إدارة مياه السدود، وتحسين كفاءة الري، وضبط استهلاك المياه الجوفية، وتحويل مجاري المياه – مع توفر تعاون دولي، فقد يكون إنعاش جزء من البحيرة، على الأرجح القسم الشمالي منها، ممكناً».
وأردف قائلاً: «في أفضل السيناريوهات، قد يستقر شمال بحيرة أرومية بحلول عام 2035 على مساحة وعمق أصغر بكثير، ما سيحول دون أسوأ العواصف الملحية. وتيرة التدهور البيئي ستتراجع لكنها لن تتوقف. التأثيرات الصحية ستظل خطيرة لكنها لن تزداد سوءاً. الهجرة ستتواصل لكن بوتيرة أبطأ، وستبقى المنطقة في حالة دائمة من إدارة الأزمات، مع اعتماد مستمر ومكلف على التدخلات للحفاظ على الحد الأدنى من وجود البحيرة».