“200 ألف حالة سنوياً”… نسبة الطلاق إلى الزواج في إيران ترتفع ستة أضعاف خلال 4 عقود

تظهر الإحصاءات الرسمية من عام 1979 حتى 2024 أن نسبة الطلاق إلى الزواج في إيران تضاعفت ما يقارب ست مرات.

ميدل ايست نيوز: تظهر الإحصاءات الرسمية من عام 1979 حتى 2024 أن نسبة الطلاق إلى الزواج في إيران تضاعفت ما يقارب ست مرات. ففي بداية الثورة الإسلامية، كان من بين كل 100 حالة زواج نحو 7 حالات تنتهي بالطلاق، بينما وصلت هذه النسبة اليوم إلى 41 حالة طلاق مقابل كل 100 زواج؛ وهو تحول يثير القلق بشأن مستقبل مؤسسة الأسرة في إيران.

تشير البيانات المنشورة من قبل مركز الإحصاء الإيراني، حسب تقرير لموقع “اقتصاد أونلاين” إلى أن مؤسسة الأسرة في إيران شهدت خلال أكثر من أربعة عقود تحولات واسعة. ففي عام 1979، وهو العام الأول بعد انتصار الثورة الإسلامية، سُجلت نحو 302 ألف حالة زواج في إيران، بينما لم يتجاوز عدد حالات الطلاق 21 ألفًا. هذا يعني أن نسبة الطلاق إلى الزواج في بداية تلك المرحلة لم تتجاوز 6.99 في المئة؛ أي أقل من سبع حالات طلاق لكل مئة زواج.

لكن هذه النسبة شهدت تغيرات كبيرة بمرور الوقت. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ارتفعت حالات الزواج بشكل متسارع في إيران، وتجاوزت منذ عام 1999 حاجز 600 ألف حالة. وبلغ هذا المسار ذروته في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة (2005–2009) حين لامس عدد الزيجات 900 ألف حالة. وفي تلك الفترة، ورغم تزايد حالات الطلاق، فإن نسبتها إلى الزواج ظلت دون 15 في المئة.

مع دخول العقد الثاني من الألفية الثالثة (2010–2019)، تغير الاتجاه. فقد تراجعت حالات الزواج في البلاد من 874 ألفًا في بدايات العقد إلى نحو 500 ألف في سنواته الأخيرة، في حين ارتفعت حالات الطلاق من 120 ألفًا في عام 2011 إلى أكثر من 200 ألف في أواخر العقد. هذا التباين أدى إلى تجاوز نسبة الطلاق 30 في المئة مع نهاية العقد.

وفي السنوات 2021 إلى 2024، تفاقم هذا المنحى المقلق. فوفقًا للبيانات الرسمية، بلغ عدد الزيجات في 2024 نحو 469 ألف حالة فقط، بينما تجاوزت حالات الطلاق 191 ألفًا، لترتفع النسبة إلى 40.9 في المئة؛ أي أكثر من 40 حالة طلاق لكل مئة زواج. وبالمقارنة مع عام 1979، يتضح أن نسبة الطلاق إلى الزواج في إيران ارتفعت قرابة ستة أضعاف خلال 45 عامًا.

هذا التحول التاريخي لا يعكس فقط تراجع الإقبال على الزواج وزيادة الميل أو الاضطرار إلى الطلاق، بل يعبر أيضًا عن تغييرات اقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة عاشها المجتمع الإيراني طوال هذه العقود. فالتحولات في القيم الاجتماعية، وضغوط المعيشة، والأزمات الاقتصادية، إلى جانب التغيرات الديموغرافية، لعبت جميعها دورًا في رسم هذا المسار.

دَوران عكسي للزواج في العقد الثاني من عام 2000

شهدت ثمانينيات القرن الماضي (1980–1989) نموًا سريعًا في معدلات الزواج بإيران، حيث ساعدت البنية السكانية الشابة وظروف ما بعد الثورة والسياسات الحكومية المشجعة على الإنجاب على ارتفاع معدلات الزواج بسرعة. وكانت نسبة الطلاق حينها لا تتجاوز 8 إلى 10 في المئة، ما يعكس استمرار قوة نموذج الأسرة الممتدة نسبياً.

أما تسعينيات القرن الماضي (1990–1999)، فمثلت مرحلة استقرار في النمو السكاني، إذ بلغ الزواج مستويات تاريخية تخطت 600 ألف حالة سنويًا، فيما ارتفع الطلاق ببطء وظلت نسبته أقل من 10 في المئة.

وفي العقد الأول من الألفية الثالثة (2000–2009)، سجل الزواج نموًا ملحوظًا في نصفه الأول متجاوزًا 800 ألف حالة سنويًا، غير أن الطلاق تسارع بدوره ليصل إلى أكثر من 130 ألف حالة. ومع نهاية هذا العقد، ارتفعت نسبة الطلاق إلى 15 في المئة.

لكن العقد الثاني من الألفية الثالثة (2010–2019) حمل قصة مختلفة. فقد هبطت الزيجات تدريجيًا من أكثر من 800 ألف إلى نحو 500 ألف، بينما قفز الطلاق ليتجاوز 200 ألف حالة في نهاية العقد. وأسفر هذا التباين عن ارتفاع غير مسبوق في نسبة الطلاق التي تجاوزت 30 في المئة في بعض السنوات.

وفي العقد الحالي (2020–2029)، استمر الاتجاه ذاته. فقد تراجع الزواج إلى أقل من 470 ألف حالة، بينما استقرت حالات الطلاق عند حدود 200 ألف تقريبًا، ما رفع نسبة الطلاق إلى مستوى قياسي بلغ 42 في المئة. وبالمقارنة، إذا كان في ثمانينيات القرن الماضي هناك طلاق واحد لكل 12 زواجًا، فإن هذه النسبة اليوم أصبحت طلاقًا واحدًا مقابل كل زواجين ونصف تقريبًا.

هذه التطورات تكشف عن تغييرات بنيوية عميقة في الأسرة الإيرانية. فمن نموذج الأسرة الكبيرة والمستقرة بعد الثورة، تحولت البلاد إلى واقعٍ تصبح فيه تكوين الأسرة أكثر صعوبة واستمراريتها أقل استقرارًا.

التداعيات والحاجة إلى سياسات جديدة

الزيادة بنحو 5.8 مرات في نسبة الطلاق في إيران إلى الزواج ليست مجرد رقم إحصائي، بل إشارة إلى تحول اجتماعي عميق. هذا المسار ستكون له تداعيات واسعة على التركيبة السكانية والاقتصاد والبنية الاجتماعية في إيران. فتراجع الزواج والإنجاب، مقرونًا بارتفاع الطلاق، يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة وتسريع وتيرة شيخوخة المجتمع، وهو ما يثقل كاهل أنظمة التقاعد والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.

على المستوى الأسري، يترك ارتفاع معدلات الطلاق أثرًا مباشرًا على الأسر والأطفال، بدءًا من زيادة أعداد الأسر ذات العائل الواحد، مرورًا بالمشكلات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأبناء، وصولاً إلى الأعباء الاقتصادية المتزايدة على النساء المعيلات. كما أن تراجع الزواج يعني ارتفاع معدلات العزوبية الدائمة، وتأخر سن الزواج، وتغير أنماط حياة الأجيال الجديدة.

ولمواجهة هذه التحديات، ثمة حاجة إلى سياسات شاملة وتنسيق بين مؤسسات الدولة. ففي الجانب الاقتصادي، ينبغي تخفيف تكاليف الزواج وتربية الأطفال عبر كبح التضخم، وتوفير فرص عمل مستقرة، وتسهيل الوصول إلى السكن والدعم المعيشي، بما يعزز من حوافز الإقبال على الزواج. أما في الجانب الثقافي والاجتماعي، فإن المؤسسات التعليمية والإعلامية مطالبة بلعب دور أكثر نشاطًا في ترسيخ قيم الأسرة وتدريب الأفراد على مهارات الحياة المشتركة.

كذلك، فإن إنشاء آليات دعم للأزواج المعرضين للطلاق يعد أمرًا حيويًا، مثل توفير خدمات استشارية، وتسهيل الوصول إلى مراكز الوساطة وحل النزاعات، ما قد يحول دون تفكك الكثير من الأسر. وبالتوازي، فإن مراجعة القوانين والتشريعات المرتبطة بالزواج والطلاق وتكييفها مع واقع المجتمع اليوم قد تسهم في إدارة هذا المسار.

بالمحصلة، تمثل إحصاءات الزواج والطلاق خلال 45 عامًا الماضية ناقوس خطر جديًا أمام صناع القرار. فإذا كان في عام 1979 يُسجل طلاق واحد لكل 15 زواجًا، فإن اليوم هناك طلاق واحد مقابل كل زواجين ونصف. واستمرار هذا الاتجاه من شأنه أن يضع البنية الاجتماعية والديموغرافية لإيران أمام تحديات عميقة، ما يجعل صياغة سياسات واقعية وطويلة الأمد لدعم الأسرة وإدارة التحولات السكانية أمرًا لا مفر منه.

اقرأ المزيد

الطلاق بين كبار السن في إيران يسجل أرقامًا غير مسبوقة

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى