شارع الرشيد: الجادة البغدادية تعود إلى الحياة

عادت الحياة لشارع الرشيد العريق في العاصمة العراقية بعد حملة تعميره وإعادة تأهيله وتحويله إلى معلمٍ سياحي لأهالي بغداد والسيّاح من العرب والأجانب.

ميدل ايست نيوز: عادت الحياة لشارع الرشيد العريق في العاصمة العراقية بعد حملة تعميره وإعادة تأهيله وتحويله إلى معلمٍ سياحي لأهالي بغداد والسيّاح من العرب والأجانب، فقد ظهر كثير من مباني الشارع بحلة جديدة، بينما تُزينها أسماؤها القديمة وتواريخ إنشائها التي يعود بعضها إلى نحو 100 عام، بهدف إحياء الطابع التراثي والتاريخي لوسط المدينة.

إلى جانب اللوحات المرسومة بالحجارة لشخصيات ثقافية وأدبية عراقية وعربية بارزة، من بينها الشاعر بدر شاكر السياب والشاعر أحمد شوقي، أنشأت الجهات التي عملت على إعادة تأهيل الشارع خطاً طولياً لسكة حديدية، من المفترض أن يسير عليها قطار داخلي (ترام) بجانبها مسار مخصص للدراجات الهوائية.

افتتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، المقطع الأول من شارع الرشيد ضمن مشروع تطوير بغداد القديمة الذي يجرى بإشراف أمانة بغداد ورابطة المصارف الخاصة العراقية، وبتمويل البنك المركزي العراقي. أعلن السوداني خلال حفل الافتتاح إطلاق العمل بالمقطع الثاني من المشروع الذي يمتد من ساحة الرصافي إلى بداية شارع أبو نواس، مشيداً بجهود الجهات الحكومية والقطاع الخاص والدعم الكبير الذي قدمه البنك المركزي، وأسهم في إنجاز المرحلة الأولى من المشروع.

ذكر السوداني في بيان أن “شارع الرشيد، الذي يمثّل أحد أبرز معالم بغداد التاريخية، عانى من الإهمال لأكثر من أربعة عقود، ما ترك أثراً سلبياً في نفوس العراقيين”، مؤكداً أن “أعمال التأهيل لم تقتصر على تجميل واجهات المباني، بل شملت أيضاً تطوير البنى التحتية من شبكات الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والإنترنت، فضلاً عن إنشاء منظومات دفاع مدني وخط ترامواي تراثي لتسهيل الحركة والنقل، إضافة إلى إنشاء مركز بلدي ومركز شرطة لخدمة المنطقة التاريخية”.

شدد السوداني على “أهمية استمرار أعمال الصيانة للمحافظة على الشارع، وحرص حكومته على إحياء المواقع التراثية والتاريخية في بغداد وبقية المحافظات، بهدف تعريف العالم بها وإبراز قيمتها الثقافية. وأشار إلى أن المشروع ساهم في إكساب المهندسين والفنيين الشباب خبرة عملية في صيانة المواقع التراثية، ما يفتح الباب أمام مشاريع مماثلة في المستقبل”.

يمتد شارع الرشيد في جانب الرصافة من مدينة بغداد، ويبدأ من منطقة الميدان قرب باب المعظم حتى منطقة الباب الشرقي، مروراً بشارع المتنبي الثقافي وبساحة الرصافي والسوق العربي وساحة حافظ القاضي وحتى مبنى نقابة الفنانين التراثي. تأسس الشارع عام 1916، وعُرف في بداية تأسيسه بشارع خليل باشا، حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني في تلك الحقبة من تاريخ بغداد.

كان الشارع قبل الاحتلال الأميركي عام 2003 مركزاً تجارياً وثقافياً نشطاً، يضم متاجر لأشهر العلامات التجارية العالمية ومقاهي ومسارح ودور سينما، إضافة إلى مبانٍ قديمة ومساجد تاريخية، لكنه مع مرور الوقت، تعرض للإهمال وفقد طابعه ذاك نتيجة للظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، لكنه شهد خلال العقدين الماضيين إهمالاً أكبر وتحول إلى مكانٍ مهجور، وكثرت فيه الجرائم والعصابات وفرق التسوّل.

بدوره، يقول رئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية وديع الحنظل إن “مشروع التأهيل وصل إلى المرحلة الثالثة من المقطع الأول الذي يتبع مبادرة نبض بغداد لإحياء المدينة القديمة، وما توصلنا إليه أخيراً إعادة تأهيل 200 محل تجاري بواقع 600 متر، تبدأ من ساحة الميدان إلى ساحة معروف الرصافي، وهذه المسافة تتضمن 72 بناية وقد أهلنا نحو 65 بناية، لأن بعض البنايات لم نتمكن من الحصول على موافقة بتعميرها. هذه المبادرة أحيّت المدينة القديمة في بغداد، وأدت إلى تحسين الحياة الاقتصادية وخلق فرص العمل”.

يضيف الحنظل في حديثٍ مع “العربي الجديد” أنه “في غضون شهرين سيُنجز العمل، أما بالنسبة إلى الترام، فإنه سيُنجز بالتعاون مع شركة تركية، خصوصاً بعد أن اكتملت المرحلة الأولى من نصب الترام من خلال وضع السكة والتخطيط، ومن المقرر أن يمتد من ساحة معروف الرصافي وصولاً إلى المطعم التركي في ساحة التحرير”. يتابع: “نسعى في المستقبل إلى إيصال الترام إلى حي الجادرية في جانب الرصافة”، مستكملاً حديثه بأن “شارع الرشيد بات منطقة سياحية يزورها آلاف العراقيين والعرب والأجانب كل شهر، مع العلم أن مبادرة نبض بغداد تعمل بتمويل البنك المركزي وبرعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتنفيذ رابطة المصارف الخاصة، بالتنسيق والتعاون مع أمانة بغداد”.

يشير المختص العقاري وسام الربيعي إلى أن “أغلبية الأهالي في أحياء بغداد القديمة يعيشون في ظروف مالية صعبة، إضافة إلى تراجع الخدمات بسبب تهالك الأبنية والمنازل، وأن إعادة تأهيل مناطقهم وبناء المحال التجارية سيعود بالأثر الإيجابي عليهم، كما حدث مع شارع المتنبي الذي عاد إلى الحياة بعد أن كان يعاني من إهمال كبير، وتحوّل إلى شارع حيوي وتجاري مهم”، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “الأبنية القديمة المهملة لسنوات أصبحت عرضة للزوال، لكن الاهتمام الحكومي أعاد إليها الحياة، ضمن حملة إعمار كبرى انطلقت من شارع المتنبي وصولاً إلى شارع الرشيد، ومن المفترض أن تصل الحملة إلى شارع أبو نواس”.

لطالما مثّلت الأحياء القديمة في بغداد نواة المدينة الأولى ومنطلق عمرانها وتقاليدها وحياتها الاجتماعية منذ العصر العباسي، مروراً بالمراحل العثمانية والملكية، وحتى العقود الأخيرة من الدولة العراقية الحديثة. ظلت هذه الأحياء تحافظ على قيمتها الرمزية في ذاكرة البغداديين بما تحتضنه من عمارة تراثية ضيقة الأزقة، ومنازل متلاصقة تنبض بالحياة والدفء الشعبي، لكنها ظلت عقوداً بعيدة عن الاهتمام الحكومي.

من بين أبرز هذه الأحياء: العوّادين وباب الشيخ والفضل وسوق حنون والشاكرية وأبو سيفين وقنبر علي والفحامة والكرخ القديمة والرشيد، وأزقة ومناطق كثيرة في منطقتي الكاظمية والأعظمية، وغيرها من المناطق التي كانت حتى وقت قريب تعاني من الإهمال، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى مواقع جذب لجهات غير تقليدية تعمل على إعادة تشكيل التركيبة السكانية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى