من الصحافة الإيرانية: الرياض؛ الضلع الثالث في أحجية الأمن الإيراني

لا يعد سفر لاريجاني إلى الرياض في خضم التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط، مجرد حدث دبلوماسي، بل حلقة في سلسلة أوسع من الاستراتيجية الأمنية متعددة الطبقات لطهران.

ميدل ايست نيوز: لا يعد سفر علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى الرياض في خضم التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط، مجرد حدث دبلوماسي، بل حلقة في سلسلة أوسع من الاستراتيجية الأمنية متعددة الطبقات لطهران. هذه الزيارة التي جاءت بعد محطتين في بيروت وبغداد، تكشف عن أن إيران بصدد صياغة هندسة جديدة لعلاقاتها الإقليمية تقوم على الدمج المتزامن بين السياسة والاقتصاد والأمن.

وقال موقع “دبلوماسي إيراني“، إن اللقاء مع كبار المسؤولين السعوديين، وبحث الملفات الحساسة من اليمن ولبنان وصولاً إلى أمن الخليج، إضافة إلى التشاور بشأن توسيع التعاونات الاقتصادية، هي أبرز محاور هذه الزيارة. ناهيك عن اختيار الرياض كوجهة ثالثة يحمل دلالات جيوسياسية لافتة. فالسعودية لا تُعتبر فقط القوة الاقتصادية الأكبر في العالم العربي، بل تلعب دوراً محورياً في معادلات الأمن الإقليمي. ومع سعي طهران والرياض بعد سنوات من التوتر إلى إعادة تعريف علاقاتهما، تبدو هذه الزيارة مرشحة لأن تكون نقطة تحول في الانتقال من تنافس مُنهك إلى تعاون استراتيجي. ومع ذلك، فإن حضور القوى الخارجية، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل، ما زال يُلقي بظلال ثقيلة على هذا المسار. والسؤال المحوري المطروح: هل سيتمكن لاريجاني عبر محادثاته في الرياض من فتح مسار جديد نحو أمن مستدام ومتعدد الطبقات في الشرق الأوسط؟

من بيروت إلى الرياض؛ استكمال أحجية الأمن الإقليمي

تأتي زيارة لاريجاني إلى الرياض استكمالاً لمهامه السابقة في بيروت وبغداد، ما يكشف بوضوح عن مسار مرحلي ومدروس. في بيروت، كان التشديد على دور محور المقاومة واحترام استقلالية القرار اللبناني بارزاً، في رسالة واضحة إلى القوى الدولية بأن إيران تسعى إلى ترسيخ الاستقرار والسيادة في المنطقة. أما في بغداد، فقد شكّل توقيع الاتفاق الأمني بين إيران والعراق إشارة إلى أن طهران قبل الدخول في حوار مع خصومها الإقليميين، تعمل على تحصين علاقاتها مع جيرانها المباشرين وتعزيز قواعدها الأمنية في مناطق ذات تماس مباشر مع أمنها القومي.

واليوم، تمثل الرياض الضلع الثالث لهذا المثلث الأمني، حيث تتيح مكانتها الخاصة في معادلات الشرق الأوسط فرصة لبلورة مسار جديد من التعاون الإقليمي. ويتضح أن تحوّل إيران من التركيز الأحادي على الردع العسكري إلى دبلوماسية نشطة ومتعددة الأوجه، بات ملموساً من خلال هذه الزيارات، وهو مسار يشمل السياسة والاقتصاد والأمن والطاقة، ويعكس سعي طهران إلى إعادة صياغة استراتيجيتها الأمنية برؤية شاملة ومتعددة المستويات.

أجندات متعددة في الرياض

تحمل زيارة لاريجاني إلى الرياض أجندة واسعة ومتنوعة. في مقدمتها توسيع التعاونات الاقتصادية، خاصة بعد أن شهدت المبادلات غير النفطية بين إيران والسعودية خلال عام 2024 نمواً ملحوظاً، الأمر الذي فتح آفاقاً جديدة للتجارة والاستثمار بين البلدين.

إلى جانب ذلك، تشكل الملفات الأمنية والإقليمية مثل التطورات في اليمن ولبنان وأمن الخليج جزءاً محورياً من المحادثات، كما تُطرح قضايا حساسة مثل حقل الغاز «آرش» والتعاونات الحدودية والبحرية على جدول الأعمال. هذا التنوع في الملفات يعكس توجهاً مشتركاً من طهران والرياض نحو تجاوز أنماط التنافس التقليدية، وبناء منطق جديد للعلاقات الثنائية في المنطقة.

الأمن الصلب إلى جانب الأمن الناعم

إحدى النقاط البارزة في الزيارة هي لقاء لاريجاني مع وزير الدفاع السعودي. اللقاء يوضح أن الحوار الأمني لا يقتصر على أدوات الدبلوماسية الناعمة، بل يشمل أيضاً التعاونات الدفاعية والعسكرية. فسنوات من التنافس العسكري، من حرب اليمن إلى الخلافات حول الأمن البحري، خلفت حالة عميقة من انعدام الثقة بين طهران والرياض.

والآن، فإن الحوار في المستوى الدفاعي يمكن أن يسهم في تقليص هذا الانعدام في الثقة، ويؤسس لإدارة أفضل للأزمات الإقليمية. وبالتوازي، يبقى للأمن الناعم وزنه، حيث يُتوقع أن تلعب مجالات الاقتصاد والطاقة والتعاون السياسي دوراً في خفض التوترات وتثبيت علاقات أكثر استقراراً.

العقبات والتهديدات القائمة

رغم هذه الفرص، ثمة عاملان رئيسيان قد يعرقلان هذا المسار. الأول هو العلاقة الوثيقة بين الرياض وواشنطن، التي لطالما لعبت دور الضامن لأمن السعودية، وقد تجعل أي تقارب بين طهران والرياض عرضة لضغوط خارجية. الثاني يتمثل في دور إسرائيل، التي تُعد من أبرز معارضي أي تطبيع في العلاقات بين طهران والرياض، وتسعى عبر نفوذها الأمني وضغوطها السياسية في الدول العربية إلى إجهاض هذا المسار.

لكن، مع ذلك، فإن ممارسات تل أبيب الأخيرة، ولا سيما عملياتها الدموية في غزة والحرب التي استمرت 12 يوماً ضد إيران والاعتداء على قطر، غيّرت مناخ المنطقة لمصلحة خطاب مناهض لإسرائيل، وأعاقت تشكيل إجماع عربي حول تطبيع العلاقات مع هذا الكيان.

اقرأ المزيد

من الصحافة الإيرانية: الحلقة المفقودة في العلاقات بين طهران والرياض

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى