إيران… نحو 17 مليون شاب وشابة دون 45 عاماً ما زالوا غير متزوجين
إن تراجع معدلات الزواج، وازدياد العزوبية، وارتفاع نسب الطلاق ترسم مجتمعة صورة متعددة الأبعاد لأزمة قد تتحول في العقود المقبلة إلى أحد أبرز التهديدات السكانية والاجتماعية في إيران.

ميدل ايست نيوز: تراجع معدل الزواج في إيران خلال العقد الأخير بشكل ملحوظ، ما أدى إلى زيادة أعداد غير المتزوجين وتوسع ظاهرة العزوبية الدائمة في الأعمار المتقدمة. وأظهر أحدث تقرير صادر عن معاون وزارة الرياضة والشباب لشؤون الشباب أن 14 في المئة من النساء و4 في المئة من الرجال فوق سن 45 عاماً لم يسبق لهم الزواج.
هذه المعطيات لا تقتصر على الفئات العمرية المتقدمة. ففي صفوف من هم دون 45 عاماً تتجلى أبعاد جديدة للتغيرات الاجتماعية. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نحو 9.5 مليون رجل في الفئة العمرية بين 15 و45 عاماً، وحوالي 7.5 مليون امرأة بين 13 و45 عاماً لم يتزوجوا بعد. وبذلك، فإن ما يقارب 17 مليون شخص في هذه الفئة العمرية لم يدخلوا الحياة الزوجية، وهو رقم يعكس تحولاً مقلقاً في أنماط الأسرة داخل المجتمع الإيراني.
تهاوي معدل الزواج في العقد الأخير
يمكن تتبع تراجع الزواج في إيران عبر الإحصاءات السنوية. فبيانات معاون شؤون الشباب تظهر أن معدل الزواج في عينة سكانية من كل ألف شخص انخفض من 6.4 في المئة عام 2022 إلى 5.6 في المئة عام 2024. ويُعتبر هذا التراجع، إلى جانب مؤشرات سكانية أخرى، إنذاراً خطيراً لمستقبل البلاد واستدامة توازنها الديموغرافي.
وتكشف مراجعة البيانات المسجلة بين عامي 2013 و2024 صورة أوضح لهذا المسار. ففي عام 2013 بلغ عدد حالات الزواج 795 ألفاً و856 حالة، لكن منذ ذلك العام لم تقترب الأرقام من حاجز 800 ألف مرة أخرى. ففي معظم السنوات، كان عدد حالات الزواج أقل من العام الذي سبقه. وحدها سنوات 2020 و2021 شهدت زيادة بنحو 30 إلى 40 ألف حالة مقارنة بعام 2019، ما أوقف مؤقتاً هذا المسار التراجعي. غير أن عام 2024 سجل 470 ألفاً و372 حالة زواج فقط، أي بانخفاض 325 ألف حالة مقارنة بعام 2013.
ويرى الخبراء أن جانباً من أسباب هذا الوضع مرتبط بالتحولات الديموغرافية لجيل مواليد الثمانينيات. فقد صرّح رئيس قسم علم السكان في جامعة العلامة الطباطبائي عام 2023 بأن نحو خمس نساء هذا الجيل سيصلن إلى سن الخمسين بحلول عام 2051 دون أن يتزوجن. بمعنى آخر، فإن 20 في المئة من نساء جيل الثمانينيات سيبقين عازبات في منتصف أعمارهن.
وتكتسب هذه التقديرات أهمية أكبر عندما نعلم أن معدل العزوبية بين رجال هذا الجيل يزيد بنصف مليون عن نظيره بين النساء، ما يؤكد أن قضية الزواج لم تعد مسألة اختيار فردي فقط، بل ترتبط بشكل وثيق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤثرة في قرار تكوين الأسرة.
واليوم، مع بلوغ مواليد النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي عتبة الثلاثين، تبرز مؤشرات مشابهة. إذ يعتقد الخبراء أنه كما واجه جيل الثمانينيات موجة عزوبية واسعة، فإن جيل التسعينيات سيشكل أيضاً في السنوات المقبلة شريحة رئيسية من العزاب الدائمين في إيران.
وتُظهر التقديرات أن سن العزوبية الدائمة بين الفتيات الإيرانيات انخفض في السنوات الأخيرة من 45 عاماً إلى 38 عاماً، وهو رقم غير مسبوق يقدم صورة مقلقة لمستقبل التركيبة السكانية في البلاد.
السياسات السكانية والواقع الاقتصادي
بحسب كثير من المحللين، فإن السياسات الحكومية الرامية إلى رفع معدلات الزواج في إطار خطط سكانية لا تتوافق مع الواقع الاقتصادي. فقد نصت الخطة السابعة للتنمية على رفع عدد حالات الزواج بأكثر من 5 في المئة، غير أن صعوبة تمكن شريحة واسعة من الشباب من تأمين احتياجاتهم الأساسية تجعل من تحقيق هذا الهدف أمراً غير واقعي.
ويفاقم الأزمة ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة. ففي عام 2013 سُجلت نحو 170 ألف حالة طلاق، بينما تجاوز هذا الرقم 200 ألف في عامي 2020 و2021. ورغم أن عام 2024 شهد تسجيل 192 ألف حالة طلاق، إلا أن المقارنة مع العقد الماضي تظهر أن معدل الانفصال ما زال مرتفعاً.
وعليه، فإن تراجع معدلات الزواج، وازدياد العزوبية، وارتفاع نسب الطلاق ترسم مجتمعة صورة متعددة الأبعاد لأزمة قد تتحول في العقود المقبلة إلى أحد أبرز التهديدات السكانية والاجتماعية في إيران.