كيف تستخدم أوروبا إيران في لعبة القوة مع الولايات المتحدة؟

تفعيل آلية «سناب باك» من قبل الترويكا الأوروبية، لم يعد الأمر يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني؛ بل أصبح خطة أوروبية لجرّ الولايات المتحدة إلى الاصطفاف معها في قضية أوكرانيا.

ميدل ايست نيوز: سيُعيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم، عبر آلية «سناب باك»، جميع العقوبات الأممية التي سبق رفعها بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. هذا التفعيل جاء من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة – القوى ذاتها التي هندست اتفاق 2015 – لكنها الآن تغلق آخر ممر دبلوماسي وتدفع المسار نحو المواجهة.

كما أشرت عند أول تفعيل لآلية «السناب باك» من قبل الترويكا الأوروبية، لم يعد الأمر يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني؛ بل أصبح خطة أوروبية لجرّ الولايات المتحدة إلى الاصطفاف معها في قضية أوكرانيا.

فشراكة إيران المتعمقة مع روسيا في حرب أوكرانيا أعادت تصويرها، في نظر أوروبا، كتهديد مباشر. أما الروابط الاقتصادية للاتحاد الأوروبي مع طهران فقد أصبحت ضئيلة بعد سنوات من العقوبات. وفي المقابل، فإن اعتماد أوروبا على العلاقة عبر الأطلسي – عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا – بات أعظم بكثير مما كان عليه عام 2003.

في هذا السياق، فإن التصعيد مع إيران يخدم هدفين أوروبيين: أولًا، معاقبة طهران على تحالفها مع موسكو، وإرسال رسالة بأن دعم روسيا سيُقابل بتكاليف باهظة. ثانيًا، توحيد الموقف الأوروبي مع التيارات المتشددة في الإدارة الأميركية السابقة، في وقت تشهد فيه العلاقات عبر الأطلسي توترًا تاريخيًا. بالنسبة لزعماء أوروبيين يائسين للحفاظ على حسن نية واشنطن، أصبحت إيران «قربانًا مناسبًا».

وليس هذا من باب التكهنات. فقد أقرّ المستشار الألماني مؤخرًا بأن إسرائيل، عبر قصفها لإيران في يونيو، «تقوم بالعمل القذر نيابة عنّا جميعًا». هذا التصريح كان استثنائيًا في صراحته، وأبرز ما يعترف به كثيرون في العواصم الأوروبية سرًا: أن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران تخدم المصالح الأوروبية عبر إضعاف دولة باتت متحالفة مع روسيا.

لهذا السبب، كنتُ دائمًا أشكك في جدوى الجهود الشجاعة لعرقلة «السناب باك». فإذا كان طرف ما عازمًا على تفعيله لمصالحه الخاصة، فلن تكفي التنازلات النووية وحدها.

وبحسب التقارير، فقد دخل الإيرانيون في اتصالات مباشرة مع الولايات المتحدة وقدموا مقترحًا للتسوية: كخطوة أولية، سيقومون باستعادة مخزونهم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وتخفيفه، مقابل تأجيل مؤقت لموعد تفعيل «السناب باك» لبضعة أشهر. وخلال هذه الفترة، ينبغي على واشنطن أن تقدم ضمانات صارمة بألا تُتخذ أي إجراءات عسكرية ضد إيران.

بمجرد أن تستعيد إيران مخزون اليورانيوم المخصب، ينبغي إلغاء آلية «السناب باك» بشكل دائم؛ ويجب تخفيف المخزون إلى نسبة 20%؛ كما يتعين على الولايات المتحدة رفع العقوبات التي سبق الاتفاق على رفعها. هذا سيُشكّل اتفاقًا مؤقتًا، يعقبه الدخول في مفاوضات من أجل تسوية شاملة ونهائية. أما القضايا الخلافية الأخرى – مثل نطاق التخصيب وشدة عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية – فستُرحّل إلى الاتفاق النهائي.

لكن تكثر الشائعات بأن إدارة ترامب سترفض العرض، إذ تقوم استراتيجيتها على تصعيد سياسة «الضغط الأقصى» بالعقوبات، انطلاقًا من قناعة بأن إيران على وشك الانهيار، وأن ضغوطًا إضافية فقط ستُحقق النتائج المرجوة. أما الترويكا الأوروبية (E3)، فهي تسعى لتزويد واشنطن بسلطة «السناب باك» أملًا في ترسيخ سياسة أميركية أكثر تشددًا تجاه روسيا.

وبما أن روسيا أهم بالنسبة لأوروبا من إيران، وبما أن إرضاء إسرائيل أهم بالنسبة لواشنطن من تجنّب المواجهة مع إيران، يبدو أن جوهر التسوية الإيرانية أصبح بلا جدوى.

هذا المشهد يذكّر بمفاوضات مشابهة في عام 2011، كما وصفتُ في كتابي عن دبلوماسية أوباما النووية: إذ نجحت تركيا والبرازيل في انتزاع موافقة إيران على مطالب الولايات المتحدة لمنع فرض عقوبات أممية. لكن، من دون علم برازيليا وأنقرة، كانت إدارة أوباما قد ثبّتت تفاهمًا مع روسيا – يقوم على موافقتها على العقوبات – وأعطت تطمينات للتيارات الموالية لإسرائيل في الكونغرس بأن إيران ستُعاقب في النهاية مهما حصل.

وبذلك، وفي لحظة نصرهما – بعد انتزاع «نعم» من إيران لمطالب واشنطن عقب مفاوضات ماراثونية – أفسد أوباما الاحتفال برفضه الاتفاق نفسه الذي حثّ لولا وأردوغان على إنجازه. كانت المحادثات مع طهران مجرد سراب؛ أما المساومات الحقيقية فكانت بين أطراف أخرى، بينما استُخدم الملف النووي مجرد ورقة في لعبة أكبر.

الدبلوماسية الرامية إلى تفادي «السناب باك» تعطي الانطباع ذاته اليوم. فالمعركة الحقيقية لا تدور حول برنامج التخصيب الإيراني، بل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن روسيا وأوكرانيا والعلاقة عبر الأطلسي. ويبدو أن الملف النووي الإيراني مجرد أداة بيد الترويكا الأوروبية.

Trita Parsi

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Responsible Statecraft

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى