من الصحافة الإيرانية: هل تقوم مصر عبر إيران تحالف إقليمي جديد في المنطقة؟

يساهم الاتفاق الموقع في القاهرة في ترسيخ مكانة مصر كوسيط إقليمي قادر على تقديم حلول عملية، ويغلق الثغرة التي حاولت إسرائيل استغلالها لتوسيع نفوذها.

ميدل ايست نيوز: مع تصاعد التوترات في المنطقة وزيادة حدة الصراع بين إسرائيل وإيران، برزت القاهرة كلاعب دبلوماسي محوري، وتمكنت في 9 سبتمبر الجاري من الوساطة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. جاء هذا الإنجاز في توقيت حساس للغاية، بعد أن فعلت ثلاث دول أوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في 28 أغسطس آلية الزناد، موجهة تحذيراً لإيران بشأن احتمال إعادة فرض العقوبات الأممية.

تحرك دبلوماسي في أزمة الملف النووي

وكتبت صحيفة دنياي اقتصاد في تقرير لها، إن الدول الأوروبية قد وضعت ثلاثة شروط رئيسية لمنع تفعيل كامل لآلية الزناد، شملت تقديم تقرير شفاف عن مخزونات اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة. رفضت إيران هذه الشروط في البداية، لكنها اتخذت لاحقاً خطوات عملية لتلبيتها.

استضافت القاهرة اجتماعاً ثلاثياً شارك فيه عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، ورافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبدر عبدالعاطي وزير الخارجية المصري. أسفر الاجتماع عن توقيع اتفاق يقضي بأن تقدم إيران خلال شهر تقريراً حول حالة مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب، وتدخل في مفاوضات مع الوكالة للتحقق من صحة التقرير، وتؤكد التزامها بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وأشاد غروسي بـ«استعداد إيران المعلن للبقاء ضمن المعاهدة»، بينما حذر عراقجي من أن أي «إجراء عدائي» مثل إعادة فرض العقوبات سيبطل الاتفاق، واقترح فكرة «اتفاق مؤقت» مع الاتحاد الأوروبي.

تغييرات في ميزان القوى

تزامنت هذه التطورات مع استعداد إيران الأكبر للتفاوض مع واشنطن بوساطة قطر وعُمان. لكن هجمات الولايات المتحدة وإسرائيل في يونيو والأضرار الكبيرة التي تعرض لها البرنامج النووي الإيراني، حيث تم تعطيل أو تدمير آلاف أجهزة الطرد المركزي، أوقفت قدرة إيران عملياً على الوصول إلى تخصيب بنسبة 90% اللازمة لتصنيع أسلحة نووية. وقد منح هذا الوضع فرصة سياسية ودبلوماسية لطهران لإعادة تعريف موقفها، خاصة بعد فقدان القدرة على متابعة برنامج عسكري نووي.

الرؤية الاستراتيجية لمصر

يعد هذا الاتفاق إنجازاً استراتيجياً لمصر، حيث ترى القاهرة أنه ذروة جهودها لـ«خلق بيئة مستقرة وإعادة التوازن». وتتحرك مصر وفق رؤية استراتيجية واضحة تشمل:

  • منع انسحاب إيران من معاهدة الحظر النووي: ترى القاهرة أن الضغط المفرط من الغرب قد يدفع طهران للخروج من المعاهدة وزيادة التوترات النووية الإقليمية.

  • الحفاظ على التوازن مقابل إسرائيل: لا ترغب مصر في استبعاد إيران من معادلة التوازن مع إسرائيل، إذ تعتبر حضور طهران عاملاً موازنًا أمام النفوذ المتزايد لتل أبيب.

  • تصوير إسرائيل كتهديد: تسعى القاهرة لإظهار نفسها كقائد للجهود الدولية لاحتواء سلوك إسرائيل «غير المنضبط»، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة التي أظهرت استعداد تل أبيب لتجاوز كل الخطوط الحمراء.

  • تحالفات جديدة: تعتبر مصر دولاً معارضة لإسرائيل مثل إيران حلفاء محتملين استراتيجياً، في حين ترى أن دور حماس في غزة قد انتهى بعد الحرب الأخيرة.

ومع تزايد احتمال مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، تعمل مصر إلى جانب نشاطها الدبلوماسي المكثف على تعزيز جاهزيتها السياسية والعسكرية. ويظهر الاتفاق أن القاهرة لا تسعى فقط للوساطة الفنية، بل تمتلك رؤية أوسع لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي وتثبيت موقعها القيادي.

يساهم الاتفاق الموقع في القاهرة في ترسيخ مكانة مصر كوسيط إقليمي قادر على تقديم حلول عملية، ويغلق الثغرة التي حاولت إسرائيل استغلالها لتوسيع نفوذها. كما يمنح الاتفاق إيران وقتاً إضافياً لإعادة ضبط موقعها واستعدادها لاحتمال مواجهة مباشرة. وفي نهاية المطاف، يبقى تنفيذ الاتفاق التحدي الأكبر، لكنه يمنح القاهرة ورقة قوية لمواجهة ما تسميه «التكبر الإسرائيلي»، ويهيئ المشهد لمرحلة قد تُحل فيها المعادلات عبر المواجهة العسكرية المباشرة، رغم استمرار مصر في السعي إلى حل سياسي يحمي المنطقة من ويلات الحرب.

اقرأ المزيد

من الصحافة الإيرانية: هل تقوم القاهرة بالوساطة لاستئناف المحادثات النووية بين طهران وواشنطن؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى