من الصحافة الإيرانية: الرابح من عودة العقوبات على إيران
يجد صانعو القرار في طهران صعوبة في انتهاج سياسة خارجية مناسبة تركز على حفظ المصالح والأمن القومي، بمعزل عن التأثيرات الدولية والإقليمية.

ميدل ايست نيوز: تعكس نتيجة التصويت في مجلس الأمن بشأن استمرار إلغاء قرارات العقوبات ضد إيران من جهة، وسحب مشروع القرار الإيراني من المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة أخرى، طبيعة المناخ السائد في البيئة الدولية حالياً.
وقال كوروش أحمدي، وهو دبلوماسي إيراني سابق، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إنه في الحالة الأولى، أدى تصويت 9 أعضاء في مجلس الأمن لصالح القرار المطروح بشأن استمرار رفع العقوبات عن إيران إلى رفضه من دون الحاجة لاستخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الأعضاء الدائمين.
أما في الحالة الثانية، فقد أدت الضغوط الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة داخل المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد مشروع القرار الإيراني الذي كان يهدف إلى إدانة الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، إلى اضطرار بعثة إيران في الوكالة لسحب المشروع. ويأتي هذا في وقت كان فيه مجلس الأمن قد أصدر عام 1981 القرار 487 الذي أدان فيه الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي، فيما أوقف مجلس المحافظين آنذاك التعاون الفني مع إسرائيل. هذان التطوران يعكسان بوضوح البيئة الدولية الراهنة في ما يتعلق بإيران.
في ظل الظروف الحالية، يجد صانعو القرار في طهران صعوبة في انتهاج سياسة خارجية مناسبة تركز على حفظ المصالح والأمن القومي، بمعزل عن التأثيرات الدولية والإقليمية. هذان الحدثان يذكّران بتطورين وقعا في 24 سبتمبر 2005 و3 فبراير 2006؛ ففي الأول اعتبر مجلس محافظي الوكالة إيران منتهكة لاتفاقية الضمانات بـ22 صوتاً، وفي الثاني صوّت بـ27 صوتاً لإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن. اللافت آنذاك أن روسيا والصين دعمتا القرارين، بينما عارضتهما فقط ثلاث دول هي سوريا وكوبا وفنزويلا، ما عكس عزلة نسبية لإيران خلال تلك الفترة. ومع ذلك، تجاهلت الحكومة التاسعة حينها هذه التطورات ومضت في مسارها. وخلال العقدين الماضيين جرت أحداث أوصلت إلى الوضع الحالي.
الآن، من الضروري أن يتعامل المسؤولون الإيرانيون بواقعية مع هذين التطورين الأخيرين، مع الأخذ في الاعتبار أن القرارات المتخذة اليوم قد تترك أثراً حاسماً على مستقبل البلاد وظروف الشعب والموقع الإقليمي لإيران خلال العشرين عاماً المقبلة وربما أكثر. فعلى الرغم مما حدث يوم الجمعة في مجلس الأمن، قد لا يكون المشهد قد حُسم بعد، وربما لا يزال هناك احتمال، ولو ضئيل، لإيجاد حل خلال الأيام السبعة المتبقية وتجاوز التعقيدات الناجمة عن تزامن استحقاقي 28 سبتمبر و18 أكتوبر.
الأفكار التي طرحها عباس عراقجي خلال اتصاله الهاتفي مع وزراء خارجية الدول الأوروبية يوم الأربعاء الماضي، قد تبقى قابلة للتطوير والتوصل إلى صيغة مقبولة للطرفين. ونظراً لأن الهدف في هذه المرحلة هو تمديد استحقاق 18 أكتوبر المرتبط بالقرار 2231، وإتاحة فرصة لمزيد من المفاوضات، فمن المفترض ألا يكون هناك مجال لتشدد مفرط من أي من الطرفين. خطوة عملية صغيرة، مثل تقديم تقرير موجز إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الوضع الحالي للبرنامج النووي، قد تسهم في فتح الطريق أمام تفاهم أوسع.
خلال الأشهر الماضية، دار جدل واسع على المستويين الرسمي والمتخصص حول أهمية القرارات الستة لمجلس الأمن المتعلقة بإيران. كثيرون، خاصة بين المسؤولين، اعتبروا أن هذه القرارات لن تحمل عقوبات مالية واقتصادية تتجاوز العقوبات الأميركية الأحادية. لكن، بعيداً عن الجانب المالي، تكمن المشكلة في أن هذه القرارات ستمنح الغربيين وإسرائيل أرضية قانونية يمكن استغلالها للادعاء بأن إيران تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ما يتيح لهم تشديد العقوبات وتبرير اعتداءات مستقبلية.
إضافة إلى ذلك، ستكون الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من عودة عقوبات مجلس الأمن ضد إيران، لأنها بذلك تستعيد السيطرة على القرارات التي فقدتها بخروجها من الاتفاق النووي. ومن خلال سلاح الفيتو، ستتمكن واشنطن من التحكم مجدداً في مسار القرارات ضد طهران. وبناءً على تجارب سابقة عديدة، إذا امتلكت أميركا مثل هذا النفوذ، ستتمكن من استخدامه لإبقاء إيران رهينة لمجلس الأمن، وتحويل الأمر إلى أداة لمزيد من الضغوط والابتزاز، ما سيجبر طهران على دفع أثمان أكبر مقابل أي محاولة لإلغاء القرارات. ومن هنا، فإن الضرورة الملحة تكمن في محاولة إيران بذل كل جهد ممكن خلال الأيام السبعة المقبلة لتفادي هذا السيناريو السلبي.
لكن، بغض النظر عن المشكلات التي ستنجم عن عودة هذه القرارات، فإن التحدي الأهم، الذي قلما يتم الالتفات إليه، هو أن الخسارة الأكبر ستكون في تقويض الأمل بإمكانية حدوث تحول إيجابي في السياسة الخارجية، وما قد يترتب عليه من انفراجات اقتصادية وسياسية داخلية. في مثل هذا الوضع، سيزداد عمق أزمة الأفق السياسي والاقتصادي التي تعاني منها البلاد منذ سنوات. كما سيزداد عدد النخب الساعين إلى الهجرة، فيما سيستمر ويشتد الوضع المعلق بين “اللاحرب واللاسلم” الذي تكرس بعد الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً.
وقد ظهرت مؤشرات عدة خلال الأشهر الماضية على هذا التوجه. فعلى سبيل المثال، انخفض مؤشر مديري المشتريات للشركات الذي كان عند مستوى 57 في ذروة أزمة كورونا عام 2020، إلى 42 في يونيو الماضي، أي قبل اندلاع الحرب. ومع الظروف الناجمة عن الحرب وحالة التعليق الأخيرة، يُرجح أن يظهر مؤشر سبتمبر تراجعاً إضافياً.