انحسار بحر قزوين… أخطار بيئية تهدد الدول الخمس المشاطئة

يتسارع انخفاض منسوب المياه في بحر قزوين خلال السنوات الأخيرة، وهو أكبر بحر مغلق عالمياً، ويسجل تراجع شاطئه مستويات متسارعة، ما يهدد بتحول الأمر إلى أزمة بيئية ستكون لها تداعيات كبيرة على مختلف الأصعدة في الدول المطلة عليه.

ميدل ايست نيوز: يتسارع انخفاض منسوب المياه في بحر قزوين خلال السنوات الأخيرة، وهو أكبر بحر مغلق عالمياً، ويسجل تراجع شاطئه مستويات متسارعة، ما يهدد بتحول الأمر إلى أزمة بيئية ستكون لها تداعيات كبيرة على مختلف الأصعدة في الدول المطلة عليه.

وتتشارك خمس دول في سواحل بحر قزوين، إذ تحده إيران من الجنوب، وروسيا من الشمال والغرب، وأذربيجان من الغرب وتركمانستان وكازاخستان من الشرق، ولا يعرف البحر في إيران باسمه العربي الرائج، وإنما باسم “بحر خزر”، وقد أطلقت عليه أسماء إيرانية سابقة مثل بحر “كاسبين”، و “مازندران”، والأخير هو اسم محافظة إيرانية تقع على شاطئ البحر.

وتبلغ مساحة بحر قزوين نحو 438 ألف كيلومتر مربع بطول 1200 كيلومتر وعرض 320 كيلومترا، ويبلغ أقصى عمق له 1023 مترا، ورغم أنه يطلق عليه اسم “بحر”، لكن لا ينطبق عليه في الواقع هذا الاسم، إذ إنه يعتبر أكبر البحيرات المالحة في العالم، وبالتالي لا تسري علي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنظم شؤون الحدود بين دول الشاطئ، وتقسم الموارد، ومسؤوليات كل من هذه الدول.

وتنظم شؤون البحر الاتفاقيات الموقعة بين دول الشاطئ، والتي كانت سابقاً إيران والاتحاد السوفييتي فقط، قبل انهيار الاتحاد في عام 1991، ليصبح البحر مقسماً بين إيران وروسيا والجمهوريات الثلاث المستقلة عن الاتحاد السوفييتي. وفي عام 2018، توصلت الدول الخمس إلى نظام حقوق خاص، مع بقاء خلافات بشأن تحديد حصة المياه والموارد والثروات.

وتتهدد بحر قزوين حالياً عدة مخاطر، من بينها التلوث النفطي، وتدفق مياه الصرف الصحي، والتلوث البلاستيكي، لكن أهم ما يهدد مستقبله هو التراجع المستمر والخطير لمنسوب المياه.

يقول الخبير البيئي الإيراني، محمد درويشي إن “منسوب المياه في بحر قزوين الذي تطل عليه ثلاث محافظات إيرانية هي مازندران وجيلان وغولستان، تراجع 61 سنتيمتراً خلال العامين الأخيرين، وهذا مستوى تراجع سريع وغير مسبوق. وتيرة تراجع سطح البحر زادت بشكل مطرد، وتسجل مستويات لم نعهدها، وصور الأقمار الصناعية تظهر أن منطقة شمال بحر قزوين وصلت المياه فيها إلى المنسوب الأدنى خلال ثلاثة عقود”.

وتشكل الأنهار خزاناً مائياً رئيسياً لبحر قزوين، والذي تتدفق فيه مياه نحو 100 نهر، أهمها نهر فولغا في روسيا، والذي يؤمن نحو 250 مليار متر مكعب من بين 320 مليار متر مكعب هي حجم المياه المتدفقة إلى البحر، أي نحو 80%. ويشكل تراجع منسوب الأنهار، وفي مقدمتها نهر فولغا، أهم أسباب انخفاض منسوب بحر قزوين، وتليه عوامل بيئية، من بينها زيادة معدلات التبخر بنسبة 4%، وارتفاع درجة حرارة سطح البحر التي زادت درجة مئوية كاملة.

ويقول المركز الإيراني لأبحاث “بحر خزر”، إنه منذ عام 1930، سجل منسوب مياه البحر تراجعاً يبلغ 3 أمتار، وإن سطح البحر ينخفض سنوياً نتيجة زيادة التبخر، وهذا التبخر ملحوظ في الشواطئ الجنوبية للبحر، في إيران، أكثر من بقية المناطق.

وفي 5 أغسطس/آب الماضي، نقلت وكالة “إيسنا” عن رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية، علي سلاجقة، قوله إن “دول الجوار قلصت موارد مياه بحر خزر، خاصة نهر فولغا، فضلاً عن تراجع هبوط الأمطار في المنطقة المحيطة بالبحر أيضاً. تراجع البحر نحو متر خلال السنوات الخمس الأخيرة، وسطح البحر يتراجع سنوياً نحو 20 سنتيمتراً”.

ويؤكد الخبير البيئي الإيراني، محمد درويشي، أن “تراجع منسوب مياه بحر قزوين له تبعات جادة وخطيرة، ومن بين الأسباب الجفاف الذي يضرب أجزاء واسعة من هور غميشان الدولي في محافظة غولستان الواقعة على بحر قزوين، وتبلغ مساحة الهور نحو 20 ألف هكتار، ويتغذى من الأمطار الموسمية، ومن أنهار، ومن بحر قزوين، لكن هذه المساحة في تراجع مستمر على خلفية انخفاض سطح البحر وتقلص منسوب مياه الأنهار، إضافة إلى عوامل أخرى أفقدت الهور أهميته وجاذبيته السياحية، مع ما لذلك من مخاطر على بيئة المنطقة، وعلى الطيور المهاجرة”.

ويسلط الخبير الإيراني الضوء على ما آل إليه الوضع في خليج جرجان، باعتباره أكبر خلجان بحر قزوين، وتبلغ مساحته 400 كيلومتر مربع، مشيراً إلى أن هذا الخليج بدأ ينحسر، ويتهدده الجفاف نتيجة تراجع منسوب مياه البحر وعوامل أخرى. محذراً من تداعيات بيئية من جراء جفاف مساحات مائية واسعة، من بينها تزايد العواصف الرملية مستقبلاً، فضلاً عن تبعات اقتصادية تتمثل في تهديد استثمارات قطاع السياحة في المحافظات الإيرانية الواقعة على البحر، والتي تشكل وجهة سياحية رئيسية في البلاد، مع وجود علاقة بين انحسار البحر المستمر والأمن الغذائي في المنطقة”.

وتواجه كازاخستان وضعاً أسوأ من بقية دول شاطئ قزوين، ويقول درويشي: “انحسار المياه تسبب في تصحر عدة كيلومترات مربعة من مساحة كازاخستان، ونأمل في تحرك جماعي من الدول الخمس المشاطئة لبحر قزوين لتدارك الأوضاع، ومنع المزيد من التدهور”، مشيراً إلى أن “إيران أسست في عام 2003، لاتفاقية الحفاظ على بيئة بحر قزوين من خلال استضافتها مؤتمراً شاركت فيه الدول الخمس، على أن يتم لاحقاً اتخاذ خطوات، من بينها تحديد حصص المياه المتدفقة إلى البحر، وعدم السماح بتدفق مياه الصرف الصحي، وتنظيم الصيد، ومنع إنشاء مصانع تحلية مياه”.

ويضيف: “الاتفاقية لم تنفذ للأسف، ودفع الوضع الراهن للبحر منظمة حماية البيئة الإيرانية إلى إطلاق تحركات بغية الحد من تدهور الأوضاع، وتحديد حصص مياه الدول المتدفقة إلى البحر، خصوصاً من نهر فولغا الروسي، والذي يشكل أكبر مصدر، وهو أكبر نهر في أوروبا”.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى