من الصحافة الإيرانية: قالیباف یکشف المستور عن خطأ استراتيجي لإيران في سياستها الإقليمية

مشروع "محور المقاومة" حمل منذ بدايته خطأً في التقدير، فهل يمكن فعلاً بناء منظومة ردع مستدامة لإيران عبر الاعتماد على جماعات غير حكومية ومسلحة في دول المنطقة؟

ميدل ايست نيوز: رغم تصدّر مواقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والترويكا الأوروبية وحتى خطاب الرئيس الإيراني، حديث الشارع الإيراني، نجح محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، في اختراق عناوين الصحف ووسائل الإعلام في البلاد عبر تصريحات أثارت كثيرا من الجدل.

وقالت صحيفة “توسعة إيراني” إن رئيس مجلس الشورى الإسلامي كرر في حوار تلفزيوني عبارة كثيراً ما سمعناها من قادة الحرس الثوري وشخصيات بارزة في التيار المحافظ في إيران: «دعم حزب الله وحماس يعني الدفاع عن الأمن القومي لإيران؛ إذا لم نقاتل عند حدود الجولان، فعلينا أن نقاتل على بُعد 30 كيلومتراً من حدودنا». هذه العبارة التي تبدو امتداداً للاستدلالات القديمة بشأن «ضرورة القتال البعيد لتجنّب الحرب في الداخل»، تكتسب اليوم معنى آخر في ظل الظروف الراهنة في إيران والعالم، وتطرح أسئلة جديدة أمام النخب والرأي العام.

دمشق وتردد بشار الأسد

استعاد قاليباف في المقابلة ذكريات من لقائه مع رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، حيث قال إن الأسد في بعض الأحيان كان يُظهر قلة حماس ويؤكد أنه لم تعد هناك حاجة إلى وجود مستشارين إيرانيين.

وبحسب رواية قاليباف، فإن دمشق لم تكن دائماً تصرّ على إرسال مزيد من الوحدات العسكرية من إيران، بل كان الأسد في بعض الفترات يشدد على أنه قادر على إدارة الأمور بنفسه.

وأوضح قاليباف أن سوريا في النهاية دولة مستقلة، ولا يمكن لإيران أن تقول لها «أنتم لستم دولة»، لكن هذه الرواية تكشف التناقضات الكامنة في السياسة الإقليمية لطهران.

رحلة مثيرة للجدل إلى لبنان

تطرّق قاليباف أيضاً إلى زيارته إلى لبنان التي أحاطت بها ضجة كبيرة، خصوصاً عندما تحوّلت عبارة قالها الرئيس اللبناني في لقاء مع الوفد الإيراني إلى عناوين بارزة في وسائل الإعلام، حين صرح: «لبنان سئم من حروب الآخرين على أرضه».

وأضاف ميشال عون حينها أن استقلال لبنان ووحدة أراضيه خط أحمر، ولا يملك أي شخص أو جهة الحق في إلحاق أي ضرر باستقلاله السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو العسكري.

هذه العبارة شكّلت رداً مباشراً على الخطاب الإيراني الذي طالما ربط وجوده ونفوذه في لبنان بشعار «دعم المقاومة». حتى أن التقارير لاحقاً تحدثت عن مؤشرات على فتور استقبال المسؤولين اللبنانيين للشخصيات الإيرانية خلال تلك الزيارة، شبيهة بما حدث في زيارة علي لاريجاني في أغسطس/آب الماضي، عندما لم يتمكّن حتى من لقاء وزير الخارجية اللبناني. مثل هذه التجاهلات لا يمكن أن تُفسَّر بالنسبة إلى إيران، التي تعتبر نفسها «الداعم الرئيسي للمقاومة»، سوى دق لناقوس الخطر.

ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: ما الجدوى من كل هذه التكاليف والاستثمارات بالنسبة لإيران؟ وهل أسهم الحضور في سوريا ولبنان حقاً لضمان أمنها القومي أم أنه أوقع إيران في أزمات معقدة ومكلفة؟ خاصة الآن مع تقارير تتحدث عن احتمال توقيع اتفاقات أمنية بين دمشق وتل أبيب، بينما يصرح لبنان بوضوح أنه لا يريد «حروب الآخرين». وفي حال كان محور المقاومة يمر بتحولات جذرية، فهل تكون سياسة طهران طوال هذه السنوات قد استندت إلى حسابات خاطئة؟

الجذور الأيديولوجية لمحور المقاومة

بالعودة إلى الماضي، قد يكون من اللازم الإقرار بأن ما عُرف بمحور المقاومة لم يكن قائماً على استراتيجية دقيقة بعيدة المدى بقدر ما كان رداً أيديولوجياً على سياسات الولايات المتحدة ورئيسها الأسبق جورج بوش الابن. فعندما تحدث عن «محور الشر»، تشكل في أذهان القادة العسكريين الإيرانيين مفهوم «محور المقاومة»؛ فكرة مستلهمة من مصطلح «الهلال الشيعي» الذي ازداد جاذبية بعد سقوط صدام حسين.

لكن هذا المشروع حمل منذ بدايته خطأً في التقدير: هل يمكن فعلاً بناء منظومة ردع مستدامة لإيران عبر الاعتماد على جماعات غير حكومية وفصائل في دول المنطقة؟ فحماس وحزب الله، رغم تحالفهما الاستراتيجي مع طهران، لم يكونا في موقع يتيح لهما ضمان الأمن القومي الإيراني. فقد كانت لهما أولويات محلية وقيود داخلية، ما جعل قراراتهما في اللحظات المفصلية غير متوافقة دائماً مع مصالح إيران.

قاليباف نفسه اعترف بأن طهران لم تكن على علم مسبق بموعد أو طبيعة عملية السابع من أكتوبر، وهو ما يعني أن إيران لم تكن اللاعب الأساسي، بل مجرد سند، وربما تجد نفسها أحياناً في فخ عمليات خداع إسرائيلي أو غيره. كما أشار إلى أن بشار الأسد نفسه كان يؤكد أحياناً أنه لم يعد بحاجة إلى مستشارين إيرانيين، وهو تصريح يحمل دلالات عميقة: دمشق تسعى في لحظات معينة لتقديم أولوياتها الوطنية حتى وإن تجاهلت كلفة الدعم الإيراني.

لماذا لم تنخرط الصين؟

طرح قاليباف سؤالاً آخر مهماً: لماذا لم تنجح إيران في إشراك الصين كما فعلت مع روسيا؟ والإجابة، كما بدا من حديثه، واضحة: لأن السياسة الإقليمية الإيرانية لم تُبنَ على أسس دبلوماسية متوازنة، بل على حسابات عسكرية وأيديولوجية.

الصين وغيرها من القوى الكبرى لا ترى مصلحة في الانخراط بمشروع أيديولوجي بحت لا يحقق لها مكاسب سياسية أو اقتصادية. وهو ما يبرهن مجدداً أن استقطاب شركاء كبار يستلزم من إيران نقل سياستها الخارجية من الساحة العسكرية إلى الدبلوماسية.

واليوم، بعد أن هدأ غبار الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، وإيران تواجه تهديدات مباشرة أكثر من أي وقت مضى، يعود السؤال الأساسي ليفرض نفسه: هل الاستمرار في السياسات الماضية قادر فعلاً على ضمان الأمن القومي، أم أنه قد يجر البلاد إلى حافة مواجهات جديدة؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 − 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى