ساعات حاسمة لإيران.. عقوبات “الزناد” تطرق الأبواب بلا بدائل واضحة

أمام إيران الآن نافذة زمنية ضيقة لا تتجاوز 24 ساعة قبل تفعيل آلية الزناد، وفي هذه النافذة تبدو فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مستحيلة للغاية ما لم تحدث مفاجأة دبلوماسية فائقة السرعة.

ميدل ايست نيوز: فيما تبقّى يوم فقط (منتصف ليل غد السبت) لتفعيل آلية «الزناد» وإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، تظهر خلفية الاتفاق المرحلي بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فراغاً عملياً يثير تساؤلات حول مدى قدرة الدبلوماسية على منع تصعيد جديد قد يدفع المنطقة إلى مواجهة أكثر خطورة.

وصف رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اتفاق القاهرة الذي أُعلن عنه في الأسابيع الماضية بأنه «إنجاز ذو أهمية عميقة» وأشار إلى أن هذا الإطار يفتح الطريق أمام عمليات تفتيش ووصول ضروريين إلى مرافق نووية إيرانية كانت مفتوحة منذ هجمات أصابت بعض مواقعها في يونيو. ومع ذلك، فإن هذه الصياغة الشكلية لم تُترجم بعد إلى شروط عملية تضمن عودة المفتشين إلى المواقع التي تعتبرها واشنطن وأوروبا نقاطاً مركزية للقلق.

إيران بدورها تؤكد أنها ليست مستعدة لاستئناف تعاون كامل مع الوكالة طالما بقي تهديد إعادة فرض عقوبات أكثر شدة قائماً. على هذا الأساس، دفعت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بإجراء تفعيل آلية الزناد لستة قرارات أممية كانت معلّقة، في خطوة من شأنها أن تعيد مجموعة واسعة من العقوبات الدولية بنهاية سبتمبر الجاري ما لم يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية سريعة. هذا السياق يضع المفاوضات على حافة مهلة ضيقة — وبخاصة أن تصويتاً عاجلاً في مجلس الأمن حُدِّد له موعدٌ لمحاولة تأجيل تطبيق الزناد، غير أن المراقبين يرون أن احتمال إقرار مقترح التأجيل ضعيف بسبب حاجة المقترح لمدينة تصويت لا يملكها حلفاء موسكو وبكين.

في الساحة الإيرانية، صدرت تصريحات متباينة أعقبت جولة مباحثات دبلوماسية مكثفة أجراها مسؤولون إيرانيون بينهم رئيس البلاد وعباس عراقجي ومسؤولون من وزارة الخارجية مع نظرائهم الأوروبيين أثناء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك لقاءات مع غروسي؛ إلا أن هذه اللقاءات لم تُفضِ حتى الآن إلى اتفاق شامل يتجاوز صيغة الإطار أو لائحة بنود مؤقتة لا ترضي الطرفين. الموقف الإيراني الرسمي بدا مزدوجاً: رحّب بمساحة للحوار ورفض في الوقت نفسه أي تراجع عن «حقوقه الوطنية» في التخصيب النووي. وفي خطابه الأخير بمناسبة يوم “الدفاع المقدس”، كرّر المرشد الأعلى الإيراني رفضه لأي تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، ما يضيّق هامش المناورة الدبلوماسية.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خرج أيضاً بتصريحات تقول إن بلاده «قادرة على التغلب على أي إعادة لعقوبات الزناد»، مؤكداً قدرة نظام بلاده على الصمود ومشيراً إلى أن طهران لن تتخلى عن ثوابت سياستها النووية، كما بزشكيان، الذي لا زال متواجداً في نيويورك حتى تاريخ نشر التقرير، بأن المشاورات مع الأوروبيين “لم تسر كما كان متوقعاً”.

في المقابل، طالبت الدول الأوروبية بتوضيحات عملية من إيران، لا سيما بشأن مصير نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بدرجات عالية، وهو مطلب رأته طهران ورقة تفاوضية ثمينة لا ترغب في التخلي عنها مقابل هدنة دبلوماسية قصيرة الأمد.

وبينما يُروّج الخطّ الدبلوماسي لصيغة اتفاق تقني بين الوكالة وإيران، فإن ثمة فجوات أساسية — من ضمانات وصول مفتشي الوكالة إلى المواقع المتضررة لاحقاً، إلى التزامات إيرانية واضحة بشأن المخزونات الحسّاسة، وصولاً إلى الضمانات السياسية لعدم تكرار ضرب المنشآت النووية — لم تُسدّ بعد. هذا النقص في البنود العملية يفسر موقف الأوروبيين الذين عرضوا مهلة مؤقتة لاحتواء إعادة العقوبات فقط بشرط تنفيذ متطلبات ملموسة من طهران.

ساعات حاسمة على آلية الزناد

تفعيل آلية «الزناد» سيعيد تلقائياً مجموعة كاملة من بنود العقوبات التي أُلغيت أو جُمّدت منذ أكثر من عقد في ظل الاتفاق النووي السابق، بما في ذلك قيوداً على الأسلحة، وقيوداً على الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وبرامج الصواريخ الباليستية، وتجميد أصول وقيوداً على سفر شخصيات وكيانات إيرانية. هذا يعني ضغوطاً مالية وسياسية فورية على الحكومة والاقتصاد الإيراني، ويُحتمل أن يقوّض أي محاولات لاستئناف استثمارات دولية.

سيضع إعادة العقوبات طهران أمام خيارين صعبين: القبول بشروط مؤقتة قد تضعف موقفها التفاوضي على المدى الطويل، أو الصمود ورفع سقف التوتر، ما قد يدفع بعض الجماعات المتشددة داخل إيران إلى خطوات تصعيدية، بما في ذلك تقليص التعاون مع الوكالة أو حتى إجراءات أكثر خطورة على الصعيد النووي أو الأمني. المراقبون يحذرون من أن أي مسار تصعيدي قد يزيد احتمال تحرّكات عسكرية إقليمية أو اختيارات مضادة من قبل إسرائيل وحلفائها.

ماذا عن لقاءات عراقجي وغروسي والمحادثات مع الأوروبيين؟

أجرى عباس عراقجي في الأيام الأخيرة لقاءات مكثفة مع مسؤولين أوروبيين وغروسي سعياً لبلورة صيغة تفاهم تعطي إيران «سقفاً مؤقتاً» لتلافي الزناد، لكنه أيضاً عبّر أمام الصحافة وخلال منشورات له على إكس عن أن حلّ المشكلة «قد يكون دبلوماسياً فقط» إذا رغبت الأطراف بذلك؛ كما قال إن إيران لن تخضع لمطالب تعتبرها تعجيزية. لقاءات عراقجي مع غروسي أسفرت عن موافقة على «آليات تقنية» لإمكانية استئناف بعض أنشطة التفتيش في حال وُضعت شروط توضحها لاحقاً، لكن هذه الآليات لم تُترجم بعد إلى اتفاق سياسياً شاملاً يمكن أن يمنع إعادة العقوبات بشكل نهائي.

أما عن تصريحات غروسي، فقد كانت عملية ومحذرة في آن معاً، إذ أشار إلى أن الوقت ينفد وأن ثمة حاجة لاتفاق سريع لتسهيل عودة مفتشي الوكالة إلى مواقع محدّدة، لكنه أيضاً لم يمنح ضوءاً أخضر لحلّ شامل، مما أعطى الانطباع بأن دور الوكالة محصور في الجوانب التقنية بينما الحل السياسي يبقى خارج نطاقها.

خاتمة

يظهر المشهد الراهن أن الاتفاق الإطاري بين إيران والوكالة وإجراءات الأولى “الخجولة”، رغم أهميتها الشكلية، لا تكفي لردع إعادة عقوبات الأمم المتحدة إن استمرت دول الترويكا الأوروبية في مسارها. أمام إيران الآن نافذة زمنية ضيقة لا تتجاوز 24 ساعة قبل تفعيل آلية الزناد، وفي هذه النافذة تبدو فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مستحيلة للغاية ما لم تحدث مفاجأة دبلوماسية فائقة السرعة. إذا أُعيدت العقوبات، فستضع المنطقة في مسارٍ تصادمي جديد يحوّل النقاش من مسائل تقنية ومفاوضات بروتوكولية إلى حسابات استراتيجية وسياسية قد تكون أكثر خطورة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى