هل تتمكن الصناعات الإيرانية من الصمود أمام عقوبات “آلية الزناد”؟
تظهر تحقيقات مختلفة أن الصناعات الإيرانية باتت أقل قدرة على الصمود ومواجهة تحديات السوق والحظر الأجنبي مقارنة بالعقود المنصرمة من العقوبات.

ميدل ايست نيوز: تظهر تحقيقات مختلفة أن الصناعات الإيرانية باتت أقل قدرة على الصمود ومواجهة تحديات السوق والحظر الأجنبي مقارنة بالعقود المنصرمة من العقوبات. فمثلاً، يُعتبر قطاع السيارات الأكثر هشاشة بسبب مشكلاته الهيكلية والسياسات الداخلية غير الملائمة، إذ يمكن لتفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الأممية أن يؤدي إلى تراجع الإنتاج وتعميق الركود في السوق وزيادة الضغوط على سوق الصرف.
يمكن القول إن هذا التراجع في قدرة القطاعات الإنتاجية الإيرانية على الصمود لا يرتبط فقط بالعقوبات الدولية المنتظرة أو تفعيل آلية الزناد، بل هو انعكاس لمسار طويل من الأزمات الداخلية المتراكمة، بدءاً من ضعف السياسات الصناعية مروراً بأزمات السيولة النقدية وانعدام الاستقرار في القوانين واللوائح، وصولاً إلى تدهور البنية التحتية وارتفاع كلفة الإنتاج. تؤكد آراء خبراء الاقتصاد أن الفارق بين الوضع الحالي وما شهدته إيران خلال العقدين الماضيين يتمثل في غياب الأدوات المالية الكافية لدى الحكومة والبنك المركزي لمواجهة الضغوط، فضلاً عن محدودية الموارد النفطية التي كانت في السابق تُستغل كصمام أمان لامتصاص الصدمات.
كما أن شريحة واسعة من الفاعلين الاقتصاديين ترى أن الخطر الأكبر يتمثل في تراكم الضغوط الداخلية مع الخارجية، بحيث لم يعد بإمكان الصناعات المحلية أن تتحمل أعباء مضاعفة في آن واحد. ففي الوقت الذي تتزايد فيه صعوبة الوصول إلى الموارد المالية العالمية، يجد المنتجون الإيرانيون أنفسهم مقيدين أيضاً بإجراءات بيروقراطية وتشريعات متغيرة تعرقل حركة الاستيراد والتصدير. يرى محللون أن هذا المشهد المعقد يرفع من احتمالات تعميق الركود الاقتصادي، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات التضخم بشكل مستمر.
ومن ناحية أخرى، تُحذر بعض التقديرات من أن الصناعات الإيرانية قد تواجه موجة غير مسبوقة من فقدان الوظائف إذا ما استمرت القيود على الواردات والمشكلات المرتبطة بتخصيص العملة الصعبة، وهو ما يهدد بتحويل الأزمة الاقتصادية إلى أزمة اجتماعية واسعة النطاق. ويؤكد مختصون أن الخروج من هذا الوضع يتطلب، قبل أي شيء آخر، معالجة جدية للعقبات الداخلية وإطلاق إصلاحات هيكلية واسعة، إلى جانب البحث عن قنوات آمنة لتخفيف وطأة العقوبات الخارجية.
مخاوف
ودفعت المخاوف من احتمال تشديد العقوبات على إيران نشطاء صناعيين واقتصاديين للتعبير عن مخاوفهم. إذ اعتبروا الكثير منهم خلال منشورات لهم على وسائل التواصل أو خلال مقابلات صحفية، أن الوضع الحالي يختلف جذرياً عن مرحلة فرض عقوبات الأمم المتحدة في العقد الأول من الألفية، إذ يرون الظروف الحالية أكثر صعوبة بكثير.
ويشبه بعض النشطاء الوضع بفرق علاج مريض شاب مقارنة بمسن، موضحين أنه في بداية العقد الماضي كانت البلاد تمتلك احتياطيات نقد أجنبي كافية، أما اليوم فحتى من دون العقوبات الجديدة يواجه البنك المركزي شحاً في الاحتياطي وهو ما انعكس في طوابير طويلة للحصول على العملة الصعبة. كما يشيرون إلى أن التدخلات الحكومية في قطاع الإنتاج كانت أقل قبل عشر سنوات، بينما اليوم يواجه المنتجون إضافة إلى العقوبات الخارجية قيوداً داخلية عديدة. ويطالب هؤلاء بأن تقوم الحكومة الإيرانية على الأقل بإزالة القيود الداخلية لتسهيل عمل الإنتاج.
أزمة التعدين
في قطاع التعدين الإيراني، من المتوقع أن يترك تشديد العقوبات تأثيراً مباشراً وعميقاً على أنشطة المناجم والصناعات المعدنية. فالمواد الخام الموجهة للتصدير، والتي كانت حتى الآن أقل تأثراً بالأزمات الداخلية، ستواجه صعوبات حقيقية سواء في عملية إعادة العائدات بالعملة الصعبة أو في حجم المبيعات، الأمر الذي سيجبر المنتجين على تقديم خصومات كبيرة وبيع منتجاتهم عبر وسطاء، وهو ما يضعف قدرتهم التنافسية في الأسواق العالمية.
كما سيزداد استيراد المعدات والتجهيزات تعقيداً في ظل الظروف الجديدة، حيث تمتد حالياً فترات انتظار الحصول على العملة الصعبة اللازمة للاستيراد إلى عدة أشهر وقد تصل إلى ستة أشهر، ومن المرجح أن تتضاعف هذه المدة مع دخول العقوبات الأممية حيز التنفيذ. وفي الوقت الذي كانت بعض الدول تبدي فيه مرونة في تصدير المعدات وقطع الغيار لإيران في السابق، فإن هذه المرونة لن تكون ممكنة على الأرجح في ظل طبيعة العقوبات المرتقبة.
ويختلف الوضع الراهن اختلافاً جذرياً عما كان عليه الحال في أواخر العقد الأول وبداية العقد الثاني من الألفية، إذ كانت التدخلات الحكومية أقل بكثير، كما كانت إيران تمتلك احتياطياً مناسباً من العملات الأجنبية سمح بقدر أكبر من المرونة في التعامل مع التحديات. أما اليوم، فقد ازدادت الصعوبات الداخلية بفعل أزمات أو كما تسميها الحكومة “عجوزات” الطاقة المستمرة، والتغييرات المتكررة في القوانين واللوائح، وتراجعت كفاءة الكوادر الإدارية الجديدة، إضافة إلى ارتفاع الضرائب والرسوم المفروضة على قطاع التعدين مقارنة بالماضي.
مع هذه العوامل، يبدو الطريق أمام هذا القطاع الإيراني الحيوي صعباً ومعقداً، يتزامن هذا مع توقعات بحدوث ركود أعمق يتجلى في تراجع فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة وإغلاق عدد من المناجم بشكل مؤقت، ما سينعكس سلباً على إيرادات الدولة. وفي ظل هذه التحديات، يُعدّ رفع القيود الداخلية ومعالجة العوائق التنظيمية خطوة أساسية لتخفيف الضغوط عن المنتجين، بحيث تتركز جهودهم على التعامل مع آثار العقوبات الخارجية فقط.
الدواء بلا تمويل
تعد عملية إنتاج الأدوية مرحلة مستمرة تتطلب تأميناً دائماً للموارد المالية والعملة الصعبة، وأي خلل في هذه السلسلة ينعكس مباشرة على السوق في شكل نقص في توافر الدواء. لكن في إيران عملية التحويلات المالية لاستيراد المواد الأولية تواجه عراقيل متزايدة، ما يجعل أي تعطّل في هذا المسار مؤثراً على المنتجين والمستشفيات والمرضى على حد سواء.
العقوبات الراهنة توصف بأنها أكثر تعقيداً من المراحل السابقة، فيما يواجه البنك المركزي صعوبة في تأمين احتياطيات نقدية كافية. ناهيك عن أن تخصيص العملة الصعبة لاستيراد المعدات وخطوط الإنتاج يستغرق أشهراً طويلة، بينما تعاني الشركات أيضاً من أزمة سيولة محلية ناجمة عن تراكم ديون المؤسسات الحكومية وشركات التأمين تجاهها. هذه العوامل مجتمعة جعلت القطاع الصناعي أكثر استنزافاً من ذي قبل، خاصة مع تفاقم معدلات التضخم وتعدد أسعار الصرف ومشكلات التصدير.
العملة الصعبة
يزيد تفعيل آلية الزناد من تعقيد الوضع، إذ يُتوقع أن يؤدي إلى تراجع أكبر في العائدات بالعملة الصعبة مع تضرر صادرات النفط ومشتقاته. وفي ظل ندرة الموارد المالية، قد يستغرق تخصيص العملة لأغراض الاستيراد أكثر من ستة أشهر، وهو مؤشر على عمق الأزمة. كما أن الالتفاف على العقوبات يضيف تكاليف إضافية كبيرة، ويعزز مناخاً غير شفاف يضر ببيئة الأعمال والإنتاج، في وقت تكاد الاستثمارات في البنية التحتية تكون متوقفة، فيما تجاوز معدل تآكل رأس المال حجم الاستثمارات الجديدة، على عكس ما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن.
الأجهزة المنزلية
وفي قطاع الأجهزة المنزلية، أدت العقوبات إلى تعطيل العلاقات المصرفية مع الخارج، ما أجبر المنتجين على الاعتماد على وسطاء لنقل الأموال، وهو ما رفع تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ وانعكس في أسعار أعلى على المستهلك النهائي. هذه الزيادة لا يستفيد منها المصنعون أو البائعون وإنما الوسطاء. وفي حين كانت الشركات الإيرانية تتمتع سابقاً بعلاقات مصرفية جيدة مع بعض البنوك الأجنبية وحتى باستثمارات خارجية، فإن عودة العقوبات تجعل الأوضاع أكثر صعوبة وتعقيداً بكثير.
اقرأ المزيد
تقرير برلماني: الصناعة الإيرانية تعاني من نقص حاد في اليد العاملة الماهرة والمتخصصة