الصحافة الإيرانية: الاحتمالات المستقبلية لمرحلة ما بعد آلية الزناد

بعد محاولات متكررة، يبدو أن إيران والغرب قد توصلوا، كلٌّ من زاويته الخاصة، إلى قبول فكرة أن آلية "الزناد" ستُفعّل وأنهما يستعدان لعصر ما بعد تفعيل هذه الآلية.

ميدل ايست نيوز: بعد محاولات متكررة، يبدو أن إيران والغرب قد توصلوا، كلٌّ من زاويته الخاصة، إلى قبول فكرة أن آلية “الزناد” ستُفعّل وأنهما يستعدان لعصر ما بعد تفعيل هذه الآلية.

وقال رحمن قهرمان بور، باحث كبير في الشؤون الدولية، في مقال نشرتها صحيفة دنياي اقتصاد، إن الولايات المتحدة وأوروبا تتبنيان منطقاً يرى في تفعيل “الزناد” خطوة إضافية في “الدبلوماسية الإلزامية”، آملين أن يمارس هذا الإجراء ضغوطاً إضافية على إيران ويدفعها لمنح تنازلات كانت ترفض تقديمها حتى الآن.

في المقابل، ترى إيران أن تكلفة الاستسلام تفوق تكلفة المقاومة. وتشير التصريحات المتكررة لمسؤولين إيرانيين إلى أن الجمهورية الإسلامية لا ترى أمامها خياراً سوى المقاومة في هذه المرحلة لتغيير حسابات الطرف المقابل. وتأمل إيران أن تجبر صمودها على المواقف الراسخة ورفضها الانصياع للغرب كل من الولايات المتحدة وأوروبا على إدراك أن سياسة تغيير النظام في إيران غير قابلة للتحقق عملياً، وأنه يجب على الغرب تعديل مواقفه ومنح المزيد من الامتيازات لإيران.

فيما يتعلق بمنطق التفوق في النهاية، يبقى السؤال حول أي الطرفين سيكون له اليد العليا، فالعالم اليوم، أكثر من كونه ساحة للإقناع أو العدالة، هو ساحة لاستخدام القوة لتحقيق أهداف الدول. وبالتالي، فإن حجم القوة هو العامل الحاسم في احتمالية تحقق أي من السيناريوهين.

رغم أن إيران والغرب ينظران إلى المشهد من زاويتين مختلفتين، وهو أحد الأسباب الرئيسة لعدم التوصل إلى اتفاق، يبدو أن الطرفين قد اعترفا بأن عودة آلية “الزناد” تمثل نقطة فاصلة وانطلاق مرحلة جديدة في الدبلوماسية النووية بين إيران والغرب، قد تؤدي إما إلى اتفاق أو إلى تصعيد التوترات وحتى الحرب. وبكل الأحوال، فقد اتضح للطرفين أن الاستمرار في النهج القديم لم يعد ممكناً.

إيران لم تستفد بشكل كافٍ من مزايا قربها من مرحلة النووي، وأن الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية غيّر المعادلات بشكل جوهري. من جهتها، لم تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا من دفع الدبلوماسية النووية ضد إيران قدماً دون اللجوء إلى العمل العسكري.

أمام الغرب حالياً معضلة معقدة: هل ستسلك إيران طريق الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لتحدي النظام النووي العالمي وإحداث أزمة جديدة، أم ستضطر في النهاية تحت ضغط الدبلوماسية الإلزامية إلى التوصل إلى اتفاق كبير مع الغرب؟

في ذهن صناع القرار في طهران، هناك قناعة بأن الولايات المتحدة وحتى أوروبا، رغم تصريحاتهم، يسعون عملياً لتغيير النظام في إيران، وأن المفاوضات هي مجرد غطاء لتسهيل هذا المسار. بالمقابل، لا تقبل واشنطن وأوروبا هذا الرأي الإيراني، وتصر على استعدادها للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي كبير مع إيران. ومع تفعيل “الزناد”، يبدو أن حسابات الطرفين حول المستقبل ستتغير.

في الحسابات الجديدة، تلعب روسيا والصين دوراً محورياً. فإذا تصاعد التوتر بين روسيا والغرب ودعمت الصين هذا التوتر، قد تزداد قدرة إيران على الاستمرار في سياسة المقاومة. أما إذا لم ترغب روسيا والصين في مواجهة الغرب بشكل جدي، فقد تلجأ إيران إلى مسار دبلوماسي. وفي كل الأحوال، جميع الأنظار تتجه إلى مرحلة ما بعد تفعيل آلية الزناد.

أظهر لقاء بزشكيان مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إيران لا تزال ترى إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي، بشرط أن تتراجع الولايات المتحدة وأوروبا عن مطالبها القصوى. وتشير تصريحات الأمين الأعلى للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حول خلاف إيران وأمريكا بشأن الصواريخ إلى أن تقليص مدى الصواريخ الإيرانية يمثل أحد أبرز الملفات الخلافية للوصول إلى اتفاق كبير في الظروف الحالية.

في نهاية المطاف، سيقود تفعيل آلية “الزناد” إلى خيارات قصوى، سواءً على مستوى المواجهة العسكرية أو التوصل إلى اتفاق دبلوماسي شامل. بمعنى آخر، بعد تفعيل الآلية، لم يعد ممكناً التوصل إلى اتفاق دبلوماسي محدود بين إيران والغرب، كما أن استمرار الوضع العسكري غير المستقر بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة يبدو غير محتمل.

وهنا يبقى السؤال، هل ستدفع معادلات القوة الطرفين نحو الاتفاق الشامل، أم ستزيد احتمالية المواجهة العسكرية؟ هذا السؤال لم يُحسم بعد، والتحولات المستقبلية ستساعد في فهم احتمالات تحقق أي من السيناريوهين.

ويشير اقتراح روسيا والصين لتمديد فترة آلية “الزناد” لمدة ستة أشهر إلى أكثر من مجرد محاولة لوقف التفعيل؛ فهو رسالة من الجانبين للعب دور أكبر وأكثر فاعلية في مرحلة ما بعد التفعيل. فهما يعلمان أن مشروع القرار سيواجه معارضة الغرب، لكنهما يسعيان لإيصال رسالة مفادها أن الغرب يجب أن يسعى أكثر من ذي قبل لكسب رضاهما فيما يخص كيفية التعامل أو مواجهة إيران في الدبلوماسية النووية القادمة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى