الصحافة الإيرانية: يجب التفكير ملياً قبل اتخاذ القرار الخطير

بغض النظر عن الهدف، فإن انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مقترناً بالاتهامات القائمة أصلاً من إسرائيل والغرب، سيشكّل تركيبة بالغة الخطورة.

ميدل ايست نيوز: مع عودة القرارات الستة الصادرة عن مجلس الأمن ضد إيران، يطرح سؤال عن ما يمكن أن يكون عليه ردّ إيران؟ أي رد يجب أن يستهدف حماية المصالح الوطنية وتعزيز الأمن القومي، وألا يكون مجرد رد فعل انفعالي.

وكتب كوروش أحمدي، الدبلوماسي الإيراني السابق، في مقال نشرتها صحيفة هم ميهن، أن إحدى الردود التي طُرحت هي الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهو خيار طرحه خلال الأيام والأسابيع الأخيرة بعض المسؤولين والتيارات المحافظة في البرلمان الإيراني ووسائل الإعلام المقربة من المحافظين.

هذا الإجراء، رغم كونه حقاً سيادياً وفق المادة العاشرة من المعاهدة، إلا أن القيام به في ظل ظروف حرجة ومن قبل دولة يثار ضدها الادعاء بعدم الالتزام باتفاق الضمانات النووية، يمكن أن تكون له عواقب خطيرة.

في هذا السياق، على المسؤولين في إيران التفكير ملياً واتخاذ خطوات مدروسة بالكامل مع إدراك تام للتبعات. ويمكن تلخيص بعض الاعتبارات في هذا الإطار على النحو الآتي:

الأبعاد القانونية

1- تنص المادة العاشرة من معاهدة NPT على أن أي دولة، استناداً إلى سيادتها الوطنية وبحجة “ظروف استثنائية” تهدد مصالحها العليا، يمكنها الانسحاب من المعاهدة بعد إشعار مسبق مدته 90 يوماً مع تقديم بيان توضيحي. فانسحاب كوريا الشمالية عام 1993، الذي تم سحبه بعد 89 يوماً، ثم انسحابها النهائي عام 2003، أثار نقاشات طويلة في مجلس الأمن وفي مؤتمرات مراجعة المعاهدة، ما عكس حساسية المسألة.

خلال تلك النقاشات، أظهر الغرب أنه يسعى لوضع عراقيل أمام الانسحاب من المعاهدة. لأول مرة طُرحت أفكار في وثيقة مؤتمر مراجعة عام 1995، تضمنت الدعوة إلى تشديد القيود على الدول المنتهكة لاتفاق الضمانات كي لا تستخدم المادة العاشرة للتهرب من المساءلة. لكن لم يتم التوصل إلى إجماع. وبعد سلسلة من التعثرات، أُقر في مؤتمر 2010 نص في الوثيقة النهائية ينص على أن “أي دولة تنسحب من المعاهدة تبقى مسؤولة، وفق القانون الدولي، عن الانتهاكات المرتكبة قبل انسحابها”.

مواقف الغرب في هذا الصدد كانت دوماً صارمة، حيث دعا إلى تقييد حق الانسحاب، وإخضاعه لمراجعة أوتوماتيكية في مجلس الأمن، وتقييد حق الدول المخالفة لاتفاق الضمانات. في المقابل، عارضت حركة عدم الانحياز معظم هذه المواقف. أما الصين وروسيا فتبنتا مواقف وسطية؛ إذ رفضتا إعادة تفسير المادة العاشرة أو إعادة صياغتها، ورأتا أن أي انسحاب لا ينبغي اعتباره تلقائياً تهديداً للسلم والأمن الدوليين. مع ذلك، أيدت روسيا في وثيقة 2010 مبدأ “استمرار الالتزامات بالضمانات” حتى بعد الانسحاب، فيما كان موقف الصين قريباً من الموقف الروسي.

هذا التباين بين الكتل الثلاث برز عملياً عند انسحاب كوريا الشمالية عام 2003. ففي حين دعا الغرب إلى اعتبار الانسحاب غير قانوني وإلى فرض عقوبات، بسبب خضوع ملف بيونغ يانغ للوكالة الدولية ولجدول أعمال مجلس الأمن، رفضت الصين وروسيا ذلك مستندتين إلى مواقفهما العامة وظروف المنطقة وعلاقاتهما الخاصة بكوريا الشمالية. ونجحتا بين 2003 و2006 في منع تحرك غربي فعال، فاكتفى المجلس ببيانات غير مؤثرة. غير أنه بعد التجربة النووية الأولى لبيونغ يانغ عام 2006 وحتى عام 2022، تعاونت موسكو وبكين مع الغرب في فرض عقوبات عليها.

نقطة أخرى مهمة هي ما إذا كان الانسحاب من المعاهدة سيشمل أيضاً الانسحاب من اتفاق الضمانات وطرد المفتشين، أم أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيستمر. قانونياً، الانسحاب من المعاهدة يُسقط أيضاً الالتزام بالمادة الثالثة المتعلقة برقابة الوكالة، ما يعني إنهاء الالتزام بالتعاون معها.

الأبعاد السياسية

2- التجارب السابقة تُظهر أن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ليس سهلاً لدولة لديها ملف مفتوح في الوكالة ومجلس الأمن. وبالنسبة لإيران، فإن دور روسيا والصين سيكون حاسماً. والسؤال: هل ستدافعان عن إيران بالطريقة نفسها التي دافعتا بها عن كوريا الشمالية خلال السنوات الثلاث الأولى من انسحابها؟ من الصعب الجزم بالإجابة. قد تكون المواجهة الحالية بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى نقطة إيجابية لصالح إيران.

لكن ظروف إيران ومنطقتها وسياستها الخارجية تختلف جذرياً عن كوريا الشمالية. ففي العقد الأول من الألفية، ورغم أن موسكو وبكين عرقلتا العقوبات على بيونغ يانغ حتى 2006، إلا أنهما بين 2005 و2010 صوّتتا لصالح جميع القرارات ضد إيران في مجلس حكام الوكالة وفي مجلس الأمن، بينما كانت إيران لا تزال عضواً في المعاهدة وخاضعة لاتفاق الضمانات، في حين خرجت كوريا الشمالية من المعاهدة.

أهمية إيران الجيوسياسية وموقعها الحيوي يميزانها عن كوريا الشمالية، التي تُعد دولة مهمشة في منطقة مهمشة. هذا ما يفسر اختلاف سياسات روسيا والصين حيال البلدين. كما أن بكين وموسكو توليان أولوية لعلاقاتهما مع إسرائيل ودول المنطقة الأخرى، ويكفي التذكير بموقفهما الداعم للإمارات في قضية الجزر الثلاث. الصين لديها علاقات واسعة مع دول الخليج، وروسيا تتمتع بعلاقات خاصة مع إسرائيل والسعودية، ولا ترغب في وجود إيران نووية على حدودها. بالنسبة للغرب، الوضع مختلف أيضاً، إذ يُنظر إلى إيران بجدية أكبر وتُعامَل بصرامة أشد مقارنة بكوريا الشمالية.

يعد وجود إسرائيل والنفط في الشرق الأوسط، والأهمية الجيوسياسية للمنطقة مقارنة بالموقع الهامشي لشمال شرق آسيا، عوامل حاسمة في هذا الأمر. كما أن إيران دولة ذات حضور خارجي نشط، على عكس كوريا الشمالية المنعزلة. ويُنظر إلى برنامج إيران النووي باعتباره مرتبطاً مباشرة بإسرائيل وقضايا المنطقة، خلافاً لبرنامج بيونغ يانغ الذي يُربط ببقاء النظام.

هناك أيضاً مخاوف من ردود أفعال دول المنطقة. إذ يُرجّح أن دولاً مثل السعودية وتركيا قد تُعيد النظر في سياساتها النووية إذا انسحبت إيران من المعاهدة، وهو ما يشكل عاملاً أساسياً في حسابات كل من الشرق والغرب، في حين أن هذا العامل لم يكن موجوداً في حالة كوريا الشمالية.

الهدف من الانسحاب والتركيبة الخطرة

3- على الذين يطالبون بانسحاب إيران من المعاهدة أن يوضحوا الهدف. هل هو تمهيد لصنع قنبلة نووية؟ أم مجرد خطوة رمزية على الورق؟ إذا رافق الانسحاب أي دليل على السعي لبناء قنبلة، فإن الحرب التي تُعد محتملة الآن ستصبح مؤكدة. هنا تبرز أهمية العمل الاستخباراتي وقدرة إيران على التكتّم، إذ أن جميع الدول التي أنتجت سلاحاً نووياً فاجأت العالم بعد تجاربها. أما إذا كان الهدف مجرد انسحاب شكلي كرد فعل، من دون نية لصناعة سلاح، فإن النتيجة لن تكون سوى زيادة الضغوط والمشاكل من دون مكاسب.

بغض النظر عن الهدف، فإن انسحاب إيران من المعاهدة، مقترناً بالاتهامات القائمة أصلاً من إسرائيل والغرب، سيشكّل تركيبة بالغة الخطورة. إذ ستستغل إسرائيل، التي تسعى إلى التوسع وبسط الهيمنة على المنطقة، هذا الانسحاب ذريعة لتأجيج الحرب أكثر.

وسيحاول هذا الكيان تحويل الخطوة إلى أداة جديدة لحشد الدعم لسياساته العدوانية، ودفع الولايات المتحدة – التي ترغب في تجنب زعزعة استقرار المنطقة عبر إضعاف إيران – إلى الانخراط في مزيد من المواجهة. وبذلك، فإن الانسحاب من معاهدة NPT سيصبّ في مصلحة المتطرفين في إسرائيل، ويدفع أوروبا وأمريكا نحو مزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية، ويضع روسيا والصين في موقف أكثر حرجاً وتردداً.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى