الصحافة الإيرانية: لماذا هلّل البعض في إيران لعودة العقوبات؟
ما كان لافتًا أكثر من عودة العقوبات الأممية وتبعاتها الاقتصادية والسياسية، هو مظاهر الفرح والترحيب من جانب بعض القوى السياسية الداخلية بهذا الحدث المرير.

ميدل ايست نيوز: شهدت سياسة إيران الخارجية في 27 سبتمبر من عام 2025، اليوم الذي انتهى فيه العد التنازلي لتفعيل «آلية الزناد» وأصدر مجلس الأمن الدولي بدعم من الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية قرارًا رسميًا بعودة العقوبات الأممية على إيران، شهدت منعطفًا حاسمًا. الجهود المكثفة التي بذلها عباس عراقجي في نيويورك والمشاورات المباشرة لمسعود بزشکیان مع قادة أوروبيين لم تنجح في وقف قرار القوى الكبرى. وهكذا، وبعد عقد كامل من الأخذ والرد، دُفن الاتفاق النووي بصمت في مقبرة الدبلوماسية.
وقالت صحيفة توسعة إيراني، إن ما كان لافتًا أكثر من عودة العقوبات وتبعاتها الاقتصادية والسياسية، هو مظاهر الفرح والترحيب من جانب بعض القوى السياسية الداخلية بهذا الحدث المرير. ففي اللحظة التي وصف فيها خبراء ودبلوماسيون عودة العقوبات بأنها «نهاية الدبلوماسية» وبداية «مرحلة جديدة من الضغوط غير المسبوقة»، أقام المتشددون والجهات المتطرفة احتفالات أشبه بأجواء النصر، وكأن الضغط على حكومة بزشکیان وانهيار الاتفاق النووي بالنسبة لهم إنجاز تاريخي.
المتشددون والفرح بعودة العقوبات
مع الساعات الأولى لإعلان تفعيل آلية الزناد، كتب سعيد جليلي، أبرز معارضي الاتفاق النووي، على منصة «إكس»: «خسارة محضة، مرّت 10 سنوات…». هذه العبارة القصيرة ولكن العميقة المعنى كانت شرارة موجة من التعليقات المفعمة بالشماتة من جانب المتشددين. فمثلاً، نشر أمير حسين ثابتي، النائب المقرّب من جليلي في البرلمان الثاني عشر، عبر قناته على «تلغرام»: «قبل لحظات، وبعد التصويت في الأمم المتحدة وتفعيل آلية الزناد، انتهى الاتفاق النووي رسميًا وأصبح من الماضي».
هذه المواقف بدت أقرب إلى تصفية حسابات سياسية منها إلى تعبير عن همّ وطني، وأظهرت أن المتشددين ينظرون إلى العقوبات ليس كتهديد للبلاد، بل كفرصة للضغط على الحكومات المعتدلة والإصلاحية.
ضغوط لتغيير العقيدة النووية
بعد أيام قليلة من تفعيل آلية الزناد، وجّه أكثر من 70 نائبًا في البرلمان الإيراني رسالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي دعوا فيها إلى مراجعة العقيدة الدفاعية لإيران. استند النواب إلى أن الظروف الإقليمية تغيّرت وأن «فتوى تحريم إنتاج السلاح النووي» يمكن إعادة النظر فيها.
علي نيكزاد، نائب رئيس البرلمان، أعلن أمس أن هذه الرسالة ستُناقش «بجدية» في جلسة الأحد المقبل، مؤكدًا أن «الرسالة تطالب بتغيير في استراتيجية البلاد النووية، وسيتم بحثها بجدية بعد عودة البرلمان من عطلة العمل في الدوائر الانتخابية».
بالتوازي مع هذه الرسالة، يجري التداول في البرلمان بمشروع قانون آخر حول انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو ما يراه كثير من الخبراء وبعض النواب إشارة ضمنية إلى التوجه نحو إنتاج سلاح نووي؛ وهو مسار قد يرفع مستوى التوتر مع مجلس الأمن إلى حد المواجهة العسكرية.
وفي موقف أكثر تشددًا، كتب أحمد نادري، عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني: «الخروج من NPT، واتباع سياسة الغموض، وفي النهاية اختبار قنبلة نووية، هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحمي إيران من مصير العراق وليبيا».
لكن هذه المواقف المتشددة في البرلمان ووسائل الإعلام المحسوبة على التيار الأصولي تتناقض بشكل واضح مع الموقف الرسمي للدولة. فالمرشد الأعلى، علي خامنئي، أكد مرارًا: «استخدام السلاح النووي حرام، والسعي لحماية البشرية من هذا البلاء واجب على الجميع». هذه الفتوى التي صدرت منذ عام 2010 تكررت مرات عديدة وسُجلت حتى في المحافل الدولية.
وفي السياق ذاته، شدد الرئيس مسعود بزشکیان خلال حديثه مع صحفيين غربيين قائلاً: «نحن لا نريد الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي. حتى مع عودة العقوبات، الانسحاب من المعاهدة ليس ضمن خياراتنا. القوى الخارجية تبحث فقط عن ذريعة لإشعال المنطقة».
هذه التصريحات على مستوى القيادة السياسية في إيران تعكس تضادًا صريحًا مع ما يطرحه بعض النواب وتيار جليلي وجبهة ثبات الثورة والمتشددين.
تطرح هذه التطورات تساؤلات حول دوافع ابتهاج المتشددين بعودة إيران إلى دوامة العقوبات. فقراءة خلفيات هذا الموقف تتطلب العودة إلى خطابهم السياسي خلال العقد الأخير.
بالنسبة لهم، يشكل الضغط على حكومة بزشکیان مصدرًا للارتياح، لأن فشل الدبلوماسية في نيويورك يمثل أداة جديدة لإضعاف الحكومة داخليًا. كما أن جزءًا من هؤلاء يرى في العقوبات فرصة لإعادة إحياء الرصيد السياسي لسعيد جليلي وجبهة ثبات الثورة، معتبرين أنفسهم «الرابحين» من انهيار الاتفاق النووي، ويعملون على استغلال هذه الأجواء لاستعادة قواعدهم الشعبية.
ولا يمكن تجاهل عامل الاستقطاب السياسي الداخلي. فالمتشددون في إيران يعتبرون العقوبات وسيلة لإشعال ثنائية «الدبلوماسية أو المقاومة»، وهي الثنائية التي طالما كانت ركيزة أساسية في حملاتهم الانتخابية.