مصر.. محاكمة “سرّية” لصحفيين بتهمة التخابر مع إيران والصين
القضية تضم تسعة متهمين، بينهم صحافي مصري و8 أجانب من جنسيات مختلفة، بتهم تتعلق بالتخابر مع دولتَين أجنبيتين هما إيران والصين

میدل ايست نيوز: شهد مجمع محاكم بدر شرق القاهرة بمصر، اليوم الأحد، انعقاد أولى جلسات محاكمة وُصفت بأنها “سرية”، أمام الدائرة الثانية بمحكمة جنايات أول درجة، وذلك في قضية تضم تسعة متهمين، بينهم صحافي مصري و8 أجانب من جنسيات مختلفة، بتهم تتعلق بالتخابر مع دولتَين أجنبيتين هما إيران والصين.
وقررت المحكمة، برئاسة المستشار وجدي عبد المنعم، تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 25 أكتوبر/تشرين الأول المقبل لتمكين الدفاع من الاطلاع والاستعداد لتقديم مذكراته، وهو ما يعكس الطابع المعقد والمتشعب للقضية التي تحمل أبعاداً سياسية وأمنية واقتصادية في آن واحد. وبحسب أمر الإحالة الصادر من نيابة أمن الدولة العليا، جاء على رأس قائمة المتهمين الصحافي المصري محمود سعد كامل دياب، إضافة إلى ثمانية متهمين أجانب هم: مسلم أحمد مقصودي، علي رضا، أندرسون، هانك، جورج لي، بيتر لي، ميه يانج، دينج جيانهو.
التحقيقات المطولة التي أجرتها نيابة أمن الدولة العليا، وجهت للمتهم الأول، الصحافي المصري، تهمة ارتكاب أفعال وُصفت بأنها “مضرة بمركز مصر السياسي والدبلوماسي والاقتصادي”، عبر التخابر مع جهات أجنبية خلال فترة زمنية امتدت منذ عام 2014 وحتى 6 سبتمبر/أيلول 2022. وبحسب التحقيقات، اتفق المتهم الأول مع المتهمين الثاني والثالث (وهما من العاملين لمصلحة أجهزة الاستخبارات الإيرانية)، على التعاون معهما وتزويدهما بمعلومات وتقارير تخصّ العلاقات الدولية لمصر، وما يتخذ من قرارات سياسية واقتصادية، إضافة إلى تقييم آثار تلك القرارات.
وتضمّنت المعلومات التي جمعها الصحافي تقارير عن أداء المؤسسات المصرية، خاصة ما يتعلق بعمليات قوات الأمن في شمال سيناء ضد “الجماعات الإرهابية”، وأداء الأجهزة الأمنية في التعامل مع المعارضين والمحبوسين، فضلاً عن رؤى خاصة بالأحزاب والتنظيمات السياسية.
ووفق ما ورد في التحقيقات، عمل الصحافي على جمع معلومات عن معتنقي الفكر الشيعي في مصر، ورسم خريطة لعلاقاتهم وهيكلهم التنظيمي تمهيداً، بحسب وصف النيابة، لـ”نشر ذلك الفكر داخل المجتمع”، وقد تسلم المتهم الأول نظير تلك الأنشطة مبالغ مالية قاربت 13,900 يورو. وانتقلت التحقيقات إلى اتهامات أخرى تتعلق بتواصله مع مجموعة من المتهمين الأجانب (من الرابع حتى الأخير)، الذين وصفتهم النيابة بأنهم يعملون لصالح أجهزة الاستخبارات الصينية. وأوضحت أن الاتفاق معهم تمثل في إعداد تقارير تحتوي على معلومات متعلقة بالأوضاع الداخلية والخارجية لمصر، إلى جانب مواقفها من القضايا الدولية والإقليمية، والاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها، والإجراءات الحكومية المتخذة بشأنها.
وأشارت التحقيقات إلى أن المتهم الأول فتح قنوات اتصال بين بعض العناصر المصرية العاملة في الصحافة ومؤسسات الدولة وبين نظرائهم في أجهزة الاستخبارات الصينية، تحت غطاء “مراكز أبحاث ودراسات سياسية”، وصفتها النيابة بأنها “واجهات أمامية للتخابر”. وتضمنت أوراق القضية أن الصحافي المصري حصل مقابل هذه الأنشطة على مبالغ مالية قُدرت بحوالى 93 ألف يوان صيني.
ولم تتوقف الاتهامات عند المتهم الأول فحسب، بل امتدت لتشمل المتهمين الآخرين في القضية من الثاني وحتى التاسع، وجاء في أمر الإحالة أن هؤلاء الأجانب اشتركوا مع المتهم المصري في “الاتفاق والمساعدة”، من خلال تقديم الدعم المالي والتقني لتأمين تواصله معهم، وتوفير الوسائل اللازمة لتمكينه من جمع المعلومات وإعداد التقارير.
كما بينت تحقيقات نيابة أمن الدولة أن الاتفاق بينهم شمل فتح قنوات اتصال مباشرة مع عناصر من الاستخبارات الصينية، تحت ستار التعاون الأكاديمي والبحثي مع مراكز دراسات سياسية، من بينها ما نُسب إلى جامعة “نانكاي” الصينية. واعتبرت النيابة أن هذا النشاط كان يهدف إلى التمويه على “الأعمال الإجرامية” المنسوبة للمتهمين، في إطار خطة تستهدف تقويض مركز البلاد السياسي والاقتصادي والدبلوماسي.
ووفقاً لما ورد بالتحقيقات، فإن المتهمين جميعاً قد “اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جرائم التخابر والإضرار بالمصالح القومية للبلاد”، وهو ما يُصنّف في القانون المصري ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة العليا، التي تتسم بخطورة استثنائية سواء من حيث طبيعة الاتهام أو العقوبات المنتظرة. وأجلت المحكمة نظر القضية إلى جلسة 25 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام الدفاع ومرافعاته، في حين تبقى تفاصيل المحاكمة خاضعة لإجراءات “سرية” مشددة، نظراً لحساسية القضية وتشابك خيوطها بين ما هو سياسي ودبلوماسي وأمني.