الصحافة الإيرانية: كيف سيتعامل بزشكيان مع مرحلة ما بعد الزناد؟
إن الرجل الذي وصل إلى الرئاسة رافعاً شعار خفض التوتر، يجد نفسه اليوم في موقع لم يتحقق فيه هذا الوعد، بل ازدادت العقد تعقيداً لتكتمل صورة الأزمات التي تحاصره.

ميدل ايست نيوز: في نهاية المطاف تبدّد ذلك الخيط الرفيع من الأمل؛ مشروع القرار الروسي-الصيني لتمديد آلية “سناب باك” لم يحظَ بالأصوات الكافية، فتفعّلت الآلية، وعادت العقوبات التي تعود جذورها إلى ثمانية أعوام من فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد. النقاش حول طبيعة العقوبات وتأثيرها على حياة الإيرانيين موضوع منفصل ومتخصص، لكن الأهم هو أن عودة العقوبات تمثل تحدياً داخلياً كبيراً للرئيس مسعود بزشكيان.
وقالت صحيفة هم ميهن، إن الرجل الذي وصل إلى الرئاسة رافعاً شعار خفض التوتر، يجد نفسه اليوم في موقع لم يتحقق فيه هذا الوعد، بل ازدادت العقد تعقيداً لتكتمل صورة الأزمات التي تحاصره. ومع تفعيل آلية “سناب باك”، انشغل المحللون بقراءة انعكاسات ما بعد عودة العقوبات على إيران، وكان أحمد زيد آبادي ومحمد فاضلي في طليعة من كتبوا وطرحوا أسئلة ونقاطاً لافتة.
بزشكيان في دور جليلي
كتب الصحفي والخبير في الشؤون السياسية، أحمد زيد آبادي في مقال قصير على قناته في تلغرام: «لا أريد أن أُظهر [بزشكيان] مسؤولاً عن هذا الوضع، إذ إن معظم العوامل المتدخلة خارجة عن سيطرته. لكن عليه أن يشرح للناس بصدق ووضوح ما هي خطته الآن وماذا ينوي أن يفعل؟». ويختم قائلاً: «الرئيس بزشكيان بحاجة في هذه الأيام إلى خلوة طويلة يتأمل فيها بعمق حتمية لعب دور منافسه الانتخابي! فقد خاض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بهدف إنقاذنا من برنامج سعيد جليلي، وصوّت له بعض الناس لهذا السبب. أما اليوم فهو مضطر لأن يؤدي دور جليلي نفسه! قد لا يدرك ذلك لانشغاله بالأعباء التنفيذية المتواصلة، لكن شيئاً من التأمل يكفي لتتضح له الصورة الكاملة».
ما بعد “الزناد”
أما الخبير السياسي، محمد فاضلي، فكتب في قناته على تلغرام مقال بعنوان “إيران ما بعد الزناد”، بدأها بالقول: «مستوى النقاش والتحليل في الداخل الإيراني يبدو وكأنه محصور في شتم جليلي/ظريف، أو الجدل حول حسنات وسيئات الاتفاق النووي، أو ظلم الغرب من عدمه، وما إلى ذلك». لكنه طرح سؤالاً أبعد: «وماذا بعد ذلك؟» قبل أن يسجل سبعة أسئلة مطالباً حكومة بلاده أن تجيب عنها:
1- ما هو برنامج التعاون الاقتصادي الاستراتيجي مع الصين المؤثر في مصير أمن وتنمية البلاد؟
2- ما هو مصير السياسة الصناعية؟ وكيف يمكن تعزيز قدرة المؤسسات على الصمود والحفاظ على حد أدنى من النمو الاقتصادي ومنع البطالة الواسعة؟
3- كيف سيتم دعم الشرائح الهشة المتضررة من التضخم والبطالة والضغوط النفسية الناجمة عن بيئة العقوبات؟
4- ما الحل لعلاقة التوتر بين البرلمان والحكومة، وما يرتبط بها من سلوكيات المحسوبية الاقتصادية والسياسية التي تقود إلى عدم الكفاءة والشلل واستياء الرأي العام؟
5- كيف يمكن تقليص العراقيل البيروقراطية التي تعيق القطاع الخاص وتقليل تكاليف المعاملات الباهظة التي تخنق النشاط الاقتصادي المنتج؟
6- ما البرامج لمواجهة العوامل المثيرة للاستياء الاجتماعي والمتغيرات التي تهز التماسك المجتمعي؟
7- بأي لغة ستتحدث إيران في مرحلة ما بعد الزناد، في عالم لم يعد فيه وجود للاتفاق النووي؟
عصر جديد
ورغم أن النظرة البسيطة قد توحي بأن “سناب باك” مجرد عودة لعقوبات حقبة أحمدي نجاد، إلا أن الحقيقة الأعمق هي أن عالم عام 2025 يختلف كثيراً عن ذلك الزمن، وأن اللغة السائدة في العلاقات الدولية قد تغيرت. يكفي النظر إلى الولايات المتحدة: آنذاك كان باراك أوباما في البيت الأبيض، واليوم يجلس دونالد ترامب في مقعده، بشخصية لا يمكن التنبؤ بأفعالها.
في ظل هذا الوضع، يبدو أن على الرئيس بزشكيان – كما يقول أحمد زيد آبادي – أن يتأمل ملياً، ويحدد لنفسه أولاً ما الذي سيفعله. فهل يتعين في عالم اليوم أن تتغير بوصلة السياسة، أم يمكن المضي بالنهج القديم والدعوة إلى المقاومة؟ التساؤل الذاتي شرط أساسي لدخول العصر الجديد. والخطوة الأكبر، إذا ما توصّل الرئيس إلى قناعة بضرورة تغيير السياسة، ستكون إقناع أصحاب القرار الكبار في البلاد بذلك.