زناد العقوبات على إيران يُصيب أسواق العراق
الارتباط الاقتصادي والتجاري الوثيق مع إيران يضع العراق في موقف حرج، حيث يُخشى أن تؤدي القيود المالية وتجميد الأصول إلى تعثر تسديد مستحقات طهران.

ميدل ايست نيوز: مع دخول العقوبات الأممية على إيران حيّز التنفيذ مجددًا اعتبارًا من الأحد 28 أيلول/ سبتمبر 2025، تبرز تساؤلات واسعة حول التداعيات المحتملة على اقتصاد العراق، الذي يُعد من بين أكثر الاقتصادات الإقليمية ترابطًا مع طهران.
وقد فعّلت الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) آلية “الزناد” أو “سناب باك”، ما أدى إلى إعادة فرض عقوبات تطاول قطاعات حيوية في إيران، تشمل التسليح، والأنشطة النووية، والصواريخ الباليستية، والمجالات المالية والمصرفية.
ويستورد العراق ما يقرب من 1200 ميغاواط من الكهرباء مباشرة من إيران، إضافة إلى ما يقارب 45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا لتشغيل محطات الطاقة التي تغذي عدة محافظات رئيسية، أبرزها بغداد والبصرة وديالى.
الارتباط الاقتصادي والتجاري الوثيق مع طهران يضع بغداد في موقف حرج، حيث يُخشى أن تؤدي القيود المالية وتجميد الأصول إلى تعثر تسديد مستحقات طهران، وبالتالي انقطاع الإمدادات الحيوية. كما قد تتأثر التجارة البينية التي سجّلت أكثر من عشرة مليارات دولار في 2024، وفقًا لبيانات غرفة التجارة الإيرانية – العراقية، ما ينذر بأزمة اقتصادية محتملة على أبواب الشتاء.
انعكاس مباشر على العراق
يرى الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن العقوبات لن تقف آثارها عند حدود إيران، بل ستنعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي، الذي يرتبط مع طهران بعلاقات تجارية وطاقوية حساسة.
وقال الحلو إن إعادة تفعيل العقوبات الأممية، خصوصًا تلك التي تشمل حظر التعاملات المالية وتجميد أصول الشركات والأفراد المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، ستُعقّد المشهد الاقتصادي في العراق، حيث لا يزال الاعتماد كبيرًا على الغاز والكهرباء الإيرانيين.
وأضاف أن العراق يدفع ما يزيد عن أربعة مليارات دولار سنويا مقابل واردات الطاقة من إيران، وأي عرقلة في آلية الدفع بسبب القيود المصرفية الجديدة قد تؤدي إلى انقطاعات حادة في إمدادات الكهرباء، خاصة مع اقتراب موسم الشتاء وزيادة الطلب.
وأضاف الحلو أن شركات شحن عراقية تعمل ضمن شبكة التبادل مع إيران، بعضها قد يتضرر بفعل الشبهات أو القيود المفروضة على نظيراتها الإيرانية، وهو ما يُهدد باضطرابات على مستوى الإمدادات الغذائية والسلعية، وربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية بنسبة قد تصل إلى 15–20% خلال الأشهر المقبلة.
وأشار الحلو إلى أن غياب آلية واضحة للتعامل مع المستحقات المالية الإيرانية المجمدة قد يُدخل العراق في أزمة مزدوجة، تتمثل بعجز عن دفع المستحقات وعجز عن تأمين بدائل سريعة، ما قد يُعيد طرح ملف تنويع مصادر الطاقة باعتباره أولوية مؤجلة لسنوات.
استقلالية القرار الوطني
قال عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب كاظم الشمري إن العقوبات المفروضة على إيران قد تكون لها انعكاسات نسبية على الوضع الاقتصادي في العراق بحكم الروابط التجارية والجغرافية، إلا أن الاقتصاد العراقي يبقى مستقلاً في توجهاته ولا يمكن رهن قراره الاقتصادي بتطورات خارجية.
وأضاف الشمري، أن العراق قادر على تجاوز أي تأثير محتمل إذا ما تم اتخاذ خطوات جدية تتعلق بتعزيز السيادة الاقتصادية والحفاظ على استقلالية القرار الوطني، من خلال تنويع مصادر الاستيراد، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتفعيل الاتفاقات الاقتصادية مع دول أخرى.
وتابع قائلاً إن المطلوب في هذه المرحلة أن تكون للحكومة رؤية واضحة لحماية السوق الوطنية من أي اهتزازات خارجية، وأن تعمل على بناء شراكات استراتيجية تعزز مناعة الاقتصاد العراقي وتقلل اعتماده على أي طرف بمفرده، مع فرض رقابة صارمة تحد من التلاعب ومحاولات استغلال الأزمة لتوسيع عمليات التهريب بطرق قد تبدو قانونية.
وشدد الشمري على أن العراق يمتلك القدرة على كبح هذه الممارسات إذا ما فُعّلت أدوات الدولة الرقابية بشكل جدي، سواء عبر ضبط المنافذ الحدودية أو تشديد الإجراءات على التحويلات المالية، وهو ما من شأنه أن يحافظ على استقرار السوق ويحمي القرار الاقتصادي من أي تدخلات خارجية.
مخاوف من تهريب العملة
في هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي أحمد عبد الله إن المخاوف تزداد من توسّع عمليات تهريب العملة والمواد الأساسية، إضافة إلى احتمال حصول عمليات احتيال مالي عبر حسابات لجهات وشخصيات تابعة لإيران في دول أجنبية، مستغلين العقوبات والرقابة الضعيفة على حركة الأموال، ما قد يعرّض السوق العراقية إلى اضطرابات إضافية.
وأضاف عبد الله، أن العراق يستورد من إيران سنوياً بما يقارب خمسة إلى سبعة مليارات دولار من الغاز والكهرباء والوقود، إلى جانب سلع ومواد وسيطة تغطي ما نسبته 20 إلى 25% من احتياجات السوق العراقية في مجالات الزراعة والصناعة.
وأوضح أن هذا الاعتماد الكبير يجعل من الضروري التحرك العاجل لتقليل حجم المخاطر، عبر تنويع مصادر الاستيراد من دول الجوار مثل تركيا والأردن والسعودية، إضافة إلى تعزيز الشراكات مع دول آسيوية، مع العمل بشكل جاد على تطوير الإنتاج المحلي.
وأشار إلى أن العراق قادر على تجاوز التأثيرات السلبية إذا ما تم اتخاذ خطوات جدية تتعلق باستثمار خطوط النقل البديلة والطاقة المتجددة ودعم الصناعات الوطنية، الأمر الذي يقلل الارتهان لأي طرف خارجي.