هل تتمكن إيران من الانضمام إلى الاتفاق السعودي الباكستاني؟
جميع المعطيات والمؤشرات تفيد يأن احتمال انضمام إيران إلى الاتفاقية السعودية الباكستانية في المدى القريب يبقى ضعيفاً للغاية.

ميدل ايست نيوز: يمكن اعتبار توقيع اتفاقية استراتيجية للدفاع المشترك بين باكستان والمملكة العربية السعودية في الرياض، أحد التطورات البارزة بل وربما نقطة تحول في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير على الأقل. فقد جاء الإعلان الرسمي عن هذا الاتفاق متضمناً بنداً يشبه المادة الخامسة في ميثاق الناتو، ينص على أن «أي اعتداء أو هجوم على أي من الطرفين يُعتبر اعتداءً على كلا البلدين». وقد ترك هذا الإعلان أصداء واسعة امتدت من جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية حتى الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة.
وقالت صحيفة دنياي اقتصاد، إن هذه الاتفاقية تحمل انعكاسات مهمة على جنوب آسيا، خصوصاً أنها أُبرمت في فترة إقليمية شديدة التوتر. أما في غرب آسيا، فإن تداعياتها تبدو أكثر وضوحاً بالنسبة إلى أطراف مثل إيران وتركيا ومصر وإسرائيل. ومنذ إبرام الاتفاق، ظهرت في طهران تصريحات من مسؤولين تحدثوا عن ضرورة أو أهمية انخراط إيران في هذه المعادلة الجديدة.
وأكد الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان في كلمته أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أن طهران ترحب بالاتفاق الدفاعي بين السعودية وباكستان. وفي أحدث التصريحات، قال اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة، في برنامج حواري، إن «إيران ينبغي أن تنضم إلى الاتفاق بين باكستان والسعودية». وأضاف أن هذه الخطوة تمثل جزءاً من الدبلوماسية العسكرية والسياسة الخارجية الإيرانية، من أجل المشاركة الفاعلة في الاتفاقيات الدفاعية والأمنية الإقليمية. وهنا تبرز تساؤلات أساسية: هل تستطيع إيران الانضمام إلى هذا الاتفاق الدفاعي؟ وما هي القيود التي تواجه طهران ودول أخرى مثل مصر لدخول هذه المعادلة الإقليمية؟ وكيف تنظر باكستان والسعودية، خصوصاً الأخيرة، إلى إيران وإمكاناتها؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من العودة إلى تاريخ وعمق العلاقات بين الرياض وإسلام آباد، وهو ما يفسر اختيار السعودية لباكستان دون غيرها مثل مصر. فقد عكست الاتفاقية الحالية العلاقات المتميزة بين البلدين على مدى عقود، والتي لم تقتصر على التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري فحسب، بل شملت أيضاً أبعاداً ثقافية. اللقاءات الدورية والتنسيق بين كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين كانا دائماً من ثوابت العلاقة. والاتفاق الجديد يوسع نطاق التعاون الدفاعي الطويل الأمد، ليشمل مجالات التدريب والمناورات المشتركة وتعزيز الإنتاج الدفاعي وبحث إمكانية وجود قوات باكستانية في المملكة. كما أثارت الاتفاقية تكهنات حول احتمال توفير باكستان نوعاً من «المظلة النووية» للسعودية، رغم أن نص الاتفاق لم يتضمن أي بند واضح بهذا الشأن.
الرسائل والانعكاسات
يمكن قراءة دخول الرياض في مثل هذه المعادلة ضمن إطار الديناميات الإقليمية وتصورات جديدة حول التهديدات المستجدة. ففي ظل الأوضاع الراهنة، قد يشكل الاتفاق بين السعودية وباكستان آلية ردع ضد التهديدات، خصوصاً بعد تصاعد التوترات الإقليمية. ومن المنظور السعودي، يعكس هذا التوجه سعياً لتقليص الاعتماد الكامل على الضمانات الأمنية التقليدية من الولايات المتحدة، بما قد يفتح المجال أمام تغييرات في أنماط التنسيق العسكري والدبلوماسي مع القوى الدولية الأخرى.
يمكن تفسير المنطق السعودي وراء هذا الاتفاق كجزء من استراتيجية «الموازنة الناعمة» في مواجهة الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل. فالتقارب مع قوة نووية إسلامية، في وقت لم تُبدِ واشنطن استعداداً لإبرام اتفاقيات نووية أو عسكرية فاعلة مع الرياض، يبعث برسالة واضحة مفادها أن المملكة تسعى دوماً إلى تنويع شركائها. كما يحمل الاتفاق رسالة ردع موجهة إلى خصوم إقليميين مثل إيران وإسرائيل، في ظل استمرار التصعيد بفعل الحرب الإسرائيلية الواسعة في غزة وما يرافقها من توترات إقليمية، خصوصاً في ما يتعلق بإيران.
هل تتمكن إيران من الانضمام إلى الاتفاق؟
إمكان انضمام إيران إلى هذه الاتفاقية الدفاعية يمكن تحليله في ضوء عدة عوامل:
1. سياسي – استراتيجي: الانضمام لمثل هذه التحالفات يتطلب مستوى عالياً من ترسيخ العلاقات. وبالنظر إلى تاريخ العلاقات بين طهران والرياض، الذي طغت عليه المنافسة والتوتر باستثناء فترات قصيرة، فإن ذلك يحتاج إلى بناء ثقة متبادلة عميقة لا تزال في مراحلها الأولية.
2. قانوني: الاتفاق الحالي هو معاهدة ثنائية. انضمام طرف ثالث أو رابع يستلزم تعديلات أو ملاحق جديدة، ويتطلب موافقة صريحة من الطرفين، وهو أمر يظل موضع شك على الأقل من الجانب السعودي في الظروف الراهنة.
3. فني – عسكري: التعاون العسكري المشترك يستلزم تبادلات متواصلة وتوافقاً تنظيمياً. مشاركة المعلومات الحساسة والتكامل التسليحي والربط القيادي يحتاج إلى وقت طويل وجهود لبناء الثقة والمعايير المشتركة، وهو ما قد يُفسَّر كخطر من جانب بعض الأطراف المنافسة في المنطقة.
4. نووي: العامل الأهم في اختيار باكستان هو امتلاكها السلاح النووي، في حين أن دولاً مثل مصر وتركيا وإيران لا تمتلك هذا العامل وتبقى في إطار القوى العسكرية التقليدية فقط.
5. إقليمي ودولي: ردود الفعل الخارجية تمثل عاملاً حاسماً. فدخول إيران، التي تُعتبر لاعباً «تجديدياً» في مواجهة الغرب وتنخرط في عدة جبهات من الصراع، قد يثير ردود فعل قوية ويؤدي إلى ضغوط على السعودية وباكستان، ما يرفع كلفة التحالف بشكل كبير.
التوقعات المستقبلية
يبقى احتمال انضمام إيران إلى هذه الاتفاقية في المدى القريب ضعيفاً للغاية. من الضروري أن تبدأ طهران أولاً باتفاقات سياسية ثنائية لبناء الثقة مع الأطراف الإقليمية، قبل الانتقال إلى مرحلة تُمكّنها من مشاركة عسكرية ومعلوماتية. كما أن تطوير آليات ثنائية أو متعددة الأطراف لتقليص سوء الفهم ووضع قواعد واضحة يُعد جزءاً لا غنى عنه من هذه العملية.