الصحافة الإيرانية: طهران في دوامة الضغط والتهديد والجمود الدبلوماسي
دفعت عودة العقوبات الأممية على طهران خلال الأسبوع الماضي وما سبقها من تجربة الحرب الدامية التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، دفعت الشرق الأوسط إلى مرحلة شديدة الغموض والهشاشة.

ميدل ايست نيوز: دفعت عودة العقوبات الأممية على طهران خلال الأسبوع الماضي وما سبقها من تجربة الحرب الدامية التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، دفعت الشرق الأوسط إلى مرحلة شديدة الغموض والهشاشة، وصفها العديد من المحللين بأنها «طريق مسدود دبلوماسي». ورغم أن الغرب لا يزال في خطاباته الرسمية يتحدث عن «إبقاء باب التفاوض مفتوحاً»، فإن الواقع يشير إلى فرض شروط مسبقة وصفتها طهران بأنها غير مقبولة.
وقال صحيفة شرق الإيرانية في تقرير لها، إن عودة قرارات مجلس الأمن، خصوصاً تلك المتعلقة بحظر التسليح والقيود على البرنامج الصاروخي والعقوبات المالية، ضاعفت من الضغوط الاقتصادية والنفسية على إيران. وقد انعكس ذلك في الانهيار السريع لقيمة الريال في سوق الصرف المحلية وارتفاع معدلات التضخم.
مع ذلك، حاول الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقليل من أثر العقوبات والتأكيد على قدرة بلاده على تجاوز الأزمات، محذراً في الوقت نفسه من أن جدار انعدام الثقة بين طهران وواشنطن لا يزال سميكاً.
وراء هذه التصريحات الرسمية، تبدو الصورة أكثر تعقيداً. فعودة العقوبات وغياب أي آلية ثابتة للسلام بعد وقف إطلاق النار في الحرب التي استمرت 12 يوماً، جعلا المسار الدبلوماسي عملياً في مأزق. فالاتفاق على وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لم يكن مكتوباً، ولا يتضمن آلية رقابة أو خارطة طريق لتخفيف التوتر، الأمر الذي يبقي احتمال عودة المواجهات قائماً في أي لحظة.
تشير التهديدات العلنية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستمرار الخيار العسكري ضد إيران إلى أن تل أبيب لا تلتزم باتفاق الهدنة، بل تستعد لجولة جديدة من الهجمات.
شروط واشنطن الأربعة وظلال الحرب الإسرائيلية
في هذا السياق، ترتكز السياسة الأمريكية الرسمية على مبدأ «زيادة الضغط». فقد أعلن مسؤول أمريكي أن إدارة ترامب وضعت أربعة شروط رئيسية لبدء أي مفاوضات جديدة مع طهران، تتمثل في أن تكون المفاوضات مباشرة و«ذات مغزى»، وأن توقف إيران عملية تخصيب اليورانيوم تماماً، وأن تقبل بقيود صارمة على برنامجها الصاروخي، وأن توقف تمويل الجماعات المتحالفة معها في المنطقة.
هذه الشروط، التي تمثل العقبات ذاتها التي عرقلت جولات التفاوض السابقة، تراها إيران خطوطاً حمراء ومسّاً بجوهر أمنها القومي، ما يجعل احتمال قبولها ضئيلاً للغاية.
في المقابل، تواصل إسرائيل التلويح بخيار الحرب. فقد أكد مسؤولون إسرائيليون مراراً استعدادهم لشن هجمات إضافية ضد إيران. وكانت الضربة الإسرائيلية في 13 يونيو على منشآت نووية إيرانية الشرارة التي أشعلت الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً، وأظهرت أن أي هجوم محدود يمكن أن يتحول بسرعة إلى مواجهة شاملة.
غير أن بعض الخبراء يرون أن اندلاع حرب شاملة بين الجانبين لا يزال احتمالاً ضعيفاً. إذ قال أفشين استوار، الأستاذ في الكلية العليا للقوات البحرية الأمريكية، إن «من المرجح أن تظل المواجهة ضمن دائرة اشتباكات منخفضة الحدة ولكن طويلة الأمد»، مشيراً إلى أن هذا النمط من الصراع قد يُبقي المنطقة في حالة استنفار دائم من دون أن يفتح الباب أمام حل سياسي مستقر.
منطقة مرهقة من الحروب ومقيدة بدوامة الضغط والتهديد
الدول العربية في الخليج هي الأكثر عرضة لتداعيات التصعيد. فوجود عشرات القواعد العسكرية الأمريكية في البحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات، يجعل هذه الدول هدفاً مباشراً لأي رد محتمل من جانب إيران.
وحذر أحد كبار المسؤولين العرب قائلاً: «المنطقة اليوم لا تملك القدرة على تحمل حرب أخرى بين إيران وإسرائيل، فتكلفتها ستكون باهظة جداً»، مؤكداً أن «خفض التوتر هو الخيار الوحيد العقلاني».
لكن السياسة المعلنة لواشنطن تسير في الاتجاه المعاكس. فإدارة ترامب ترى أن تشديد العقوبات وإعادة تفعيل آلية الزناد يمكن أن يوفرا «البيئة اللازمة للتوصل إلى حل دبلوماسي»، وهو تصور يثير قلق الحلفاء الأوروبيين والعرب على حد سواء.
وأكد مسؤولون أوروبيون أن إعادة العمل بآلية «سناب باك» لم تكن يوماً خيارهم المفضل، وأنهم ما زالوا يسعون لتجنب تصعيد جديد، مشيرين إلى أن «باب الدبلوماسية ما زال مفتوحاً»، لكنهم لا يؤمنون بأن الحل العسكري يمكن أن يحقق استقراراً في المنطقة.
وفي الداخل الإيراني، قد يؤدي الضغط الاقتصادي الناتج عن العقوبات إلى إشعال احتجاجات شعبية، وهو ما يعتبره بعض المحللين الهدف غير المعلن من سياسة «الضغط الأقصى» التي تتبعها واشنطن، أي دفع إيران إلى أضعف وضع داخلي ممكن، سواء عبر اضطرابات داخلية واسعة أو من خلال مواجهات غير مباشرة جديدة مع إسرائيل في الخارج.
ورغم هذه التحديات، تشير تجارب السنوات الماضية إلى أن طهران تميل، في مواجهة الضغوط الخارجية، إلى خيار الصمود لا التراجع. فتهديد بعض النواب بوقف العمل بـ«اتفاقية القاهرة»، أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو الدعوات لتعديل العقيدة العسكرية والدفاعية، جميعها مؤشرات على هذا الاتجاه.
وفي المحصلة، يبدو المشهد الإقليمي محكوماً بـ«الجمود الدبلوماسي». فالغرب يتحدث عن التفاوض لكنه يفرض شروطاً تعرقل انطلاقه، وإسرائيل تُبقي على أجواء الحرب لتبرير أي هجوم جديد، والدول العربية تخشى أن يؤدي أي صراع جديد إلى تقويض أمنها الهش، فيما تواصل إيران التمسك بخيار المقاومة وسط ضغوط العقوبات وتهديدات الحرب.