العراق يوثق العلاقات التجارية مع تركيا بعد العقوبات الجديدة على إيران

يحتل العراق موقع الصدارة عربياً بوصفه أكبر مستورد للبضائع التركية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، في مؤشر يعكس عمق العلاقات التجارية بين بغداد وأنقرة.

ميدل ايست نيوز: يحتل العراق موقع الصدارة عربياً بوصفه أكبر مستورد للبضائع التركية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، في مؤشر يعكس عمق العلاقات التجارية بين بغداد وأنقرة، لكنّه يسلّط الضوء في الوقت ذاته على خلل واضح في الميزان التجاري. ويرى مراقبون أنّ الأرقام الحديثة حول التبادل التجاري بين البلدَين، تعكس اعتماد العراق المتزايد على السوق التركية في مختلف السلع، في وقت تدفع فيه العقوبات الأممية، المعروفة بـ”آلية الزناد” (سناب باك) باتجاه الحد من التعامل التجاري مع إيران، الأمر الذي يعزّز التوجّه نحو توسيع الشراكات مع أنقرة.

كما يؤكد التجار العراقيون أن المرحلة المقبلة تتطلب تفعيل الجانب التجاري مع تركيا على نطاق أوسع، من خلال استثمارات مشتركة ومشاريع إنتاجية تقلل من الاعتماد على الاستيراد المباشر وتعيد التوازن للميزان التجاري. وأعلنت هيئة الإحصاء التركية، في بيانات حديثة، أن العراق احتل المرتبة الأولى عربياً بوصفه أكبر مستورد للبضائع التركية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، في مؤشر على عمق العلاقات التجارية بين البلدين، مقابل تزايد الدعوات لتنويع الشركاء الاقتصاديين وإيجاد بدائل عن السوق الإيرانية في ظل عقوبات “سناب باك”.

وذكرت الهيئة في إحصائية رسمية، أن قيمة واردات العراق من تركيا بلغت 7 مليارات و574 مليوناً و434 ألف دولار، منخفضة عن الفترة ذاتها من العام الماضي التي سجلت 8 مليارات و354 مليوناً و255 ألف دولار. وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية بـ6.665 مليارات دولار، تلتها المغرب بمليارين و837 مليون دولار، ثم مصر بمليارين و567 مليون دولار، والسعودية خامساً بمليارين و204 ملايين دولار. وأشارت الإحصائية إلى أن العراق استورد من تركيا خلال هذه الفترة الذهب والأحجار الثمينة، والفواكه والخضر والبقوليات، والآلات والمعدات الكهربائية، والبلاستيك، والأثاث، واللحوم.

العراق “ملتزم بالقرارات الدولية”

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم وزارة التجارة العراقية، محمد حنون، أن الحكومة العراقية “ملتزمة تماماً بالقرارات الدولية المتعلقة بالجوانب المالية والتجارية، وتعمل بتوازن على ترسيخ موقع العراق محوراً للتجارة الدولية من خلال مشاريع كبرى مثل القناة الجافة ومشروع طريق التنمية، واللذين سيحولان البلاد إلى مركز إقليمي للنقل الدولي”، وأضاف حنون في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن حجم التبادل التجاري مع تركيا ارتفع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن تركيا تُعد من الدول المهمة للسوق العراقية، إذ تحتل منتجاتها موقع الأولوية لتلبية حاجات المستهلك العراقي من الغذاء والأجهزة المنزلية والصناعات التحويلية والمواد الإنشائية.

وأوضح حنون، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 16 مليار دولار، وهناك تعاون مستمر لزيادة حجم التبادل، مع جهود حكومية موازية لرفع مستوى الصادرات العراقية إلى تركيا وتحقيق توازن أكبر في الميزان التجاري بين الجانبين. وشدد، على أن الحكومة عازمة على المضي في إصلاحات تجارية ومعيشية متوازنة، تقوم على الالتزام بالقرارات الدولية وحماية الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز موقع العراق ممراً استراتيجياً للتجارة العالمية، وضمان الأمن الغذائي للمواطنين عبر سياسات اقتصادية متكاملة.

فتح آفاق تجارية أوسع

من جانبه، قال رئيس اتحاد الغرف التجارية العراقية، عبد الرزاق الزهيري، إن فتح آفاق أوسع للتعاون التجاري بين العراق وتركيا “يمثل خياراً استراتيجياً مهماً للبلدين، ويعكس الحرص على بناء شراكات اقتصادية متينة في مختلف المجالات”، وأضاف الزهيري، لـ”العربي الجديد”، أن العراق وتركيا يرتبطان بتعاون تجاري واستثماري مسبق وعلى نطاق واسع شمل قطاعات حيوية متعددة، و”هو ما يجعل من تطوير هذه العلاقات وتوسيعها أمراً طبيعياً يتماشى مع المصالح المشتركة للبلدين”.

وبيّن أن السوق التركية “تُعد واحدة من أهم الأسواق بالنسبة للعراق، لما تمتلكه من خبرات متقدمة في قطاعات الإنشاءات والطاقة والزراعة والصناعات الغذائية والتحول الرقمي، فضلاً عن القرب الجغرافي والروابط التاريخية التي تجمع البلدين”، وأكد الزهيري أن تركيا شريك تجاري لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للعراق، إذ تستطيع شركاتها أن تلعب دوراً محورياً في دعم خطط التنمية، ونقل الخبرات والتكنولوجيا، وتحويل فرص التعاون إلى مشاريع استثمارية واقعية تسهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.

خلل الميزان التجاري

من جانبٍ آخر، أفاد الباحث الاقتصادي أحمد صباح بأن تَصدُّر العراق قائمة الدول العربية بوصفه أكبر مستورد من تركيا، يعكس أهمية السوق التركية بالنسبة للعراق، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن خلل واضح في الميزان التجاري، إذ تميل الكفة كثيراً لصالح أنقرة نتيجة اعتماد بغداد شبه الكلي على الاستيراد. وأوضح صباح، أن الاعتماد المفرط على السلع التركية “يضع العراق أمام مسؤولية إعادة النظر في سياسته التجارية، خصوصاً في ظلّ الحاجة الملحّة لإيجاد أسواق بديلة عن إيران على خلفية العقوبات، وهو ما يجعل تركيا الخيار الأقرب والأنسب، بحكم القرب الجغرافي وسهولة التحويلات المالية والتسهيلات الجمركية”.

وأضاف، لـ”العربي الجديد”، أن التجار العراقيين يسعون حالياً إلى تفعيل الجانب التجاري على نطاقٍ أوسع مع أنقرة، بما يشمل ليس الاستيراد فحسب، بل الدخول في شراكات إنتاجية وصناعية قادرة على تقليص الفجوة في الميزان التجاري. وأكد صباح أن المرحلة المقبلة تتطلب استراتيجيات واضحة لزيادة الصادرات العراقية إلى تركيا، خصوصاً في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية والمنتجات النفطية المكررة، “بما يعزز الإيرادات ويعيد التوازن للعلاقات الاقتصادية الثنائية، ويمنع استمرار العراق سوقاً استهلاكية فقط دون مقابل إنتاجي حقيقي”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى