ملامح تقارب سياسي في العراق بين السوداني والأكراد بعد حل ملفات عالقة

شهدت الساحة السياسية العراقية في الآونة الأخيرة مؤشرات بارزة على تقارب متجدد بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والقوى الكردية، بعد التوصّل إلى تفاهمات أولية لحلّ بعض الملفات العالقة.

ميدل ايست نيوز: شهدت الساحة السياسية العراقية في الآونة الأخيرة مؤشرات بارزة على تقارب متجدد بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والقوى الكردية، بعد التوصّل إلى تفاهمات أولية لحلّ بعض الملفات العالقة، وفي مقدمتها القضايا المالية والنفطية التي طالما شكلت محور خلاف بين الطرفين. هذا الانفراج لا يقتصر على كونه معالجة لأزمات اقتصادية وإدارية، بل ينظر إليه بوصفه خطوة تمهيدية نحو بناء تحالف سياسي واسع، قد يلعب دوراً محورياً في رسم ملامح التوازنات داخل البرلمان بعد الانتخابات، المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وفتح الطريق أمام تشكيل الحكومة المقبلة، وفق معادلات جديدة من الشراكة والتفاهم.

ووفقاً لعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان وفاء محمد كريم، فإنّ “استئناف نفط الإقليم والوصول إلى حلّ مع بغداد هو نتيجة مشاورات ومفاوضات وزيارات متعددة خلال أشهر طويلة”، مبيناً لـ”العربي الجديد”، أنّ “الجهود مستمرة لتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصّل إليه قبل أيام، ولا ننسى الضغوط الخارجية خاصة الأميركية لاستئناف نفط الإقليم، أما لماذا في هذا الوقت فهو يتعلق بنجاح المفاوضات مع الشركات النفطية العاملة في الإقليم والكل مستفيد من هذا الاتفاق”.

وأضاف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني أنّ “حلّ هذه الخلافات لا شك سيكون لها أثر إيجابي على التقارب السياسي ما بين الكرد والسوداني وبعض الأطراف السياسية الأخرى الداعمة لهذا الاتفاق ليستثمر بعد الانتخابات بتشكيل تحالفات قوية”. وأكد أنه “بالنسبة لدعم السوداني لولاية ثانية بعد هذا التقارب، سيكون حسب نتائج الانتخابات البرلمانية وضمان حقوق المكون الكردي خلال المرحلة المقبلة”.

من جهته، قال السياسي المقرب من رئيس الوزراء عائد الهلالي، لـ”العربي الجديد” إنّ “التطورات الأخيرة التي شهدها الملف النفطي بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان شكّلت نقطة تحول مهمة في مسار العلاقة بين الطرفين، فبعد سنوات من التعقيدات والتوترات المتعلقة بكيفية تصدير النفط وإدارة عوائده وتوزيعها، فضلاً عن أزمة الرواتب التي ألقت بظلال ثقيلة على موظفي الإقليم، جاء الاتفاق الأخير ليستعيد قدراً من الثقة ويعيد فتح قنوات التعاون على أسس جديدة أكثر وضوحاً وواقعية”.

وأضاف الهلالي “لقد أتاح الاتفاق استئناف تصدير نفط الإقليم عبر الشركة الوطنية سومو، وهو ما يمنح بغداد ضمانة دستورية وقانونية لإدارة الموارد ويمنح أربيل في المقابل مصدر دخل ثابتاً يمكن أن يعالج العجز المالي ويعيد انتظام دفع رواتب الموظفين، وهو الأمر الذي يشكّل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية خطوة بالغة الأهمية لإعادة الاستقرار ورفع المعاناة عن شريحة واسعة من المواطنين”.

وبيّن أنّ “هذا المناخ الجديد من التفاهمات لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد حل تقني لأزمة اقتصادية فحسب، بل هو مؤشر على استعداد الطرفين لتجاوز الخلافات القديمة وإرساء قواعد أكثر متانة للشراكة الوطنية، فالحكومة الاتحادية برئاسة السوداني أظهرت منذ البداية رغبة حقيقية في معالجة الملفات العالقة بأسلوب واقعي بعيداً عن منطق التأجيل أو المناورة السياسية، بينما أدركت القوى الكردية أن استمرار الأزمة دون حلول عملية كان سيضعف موقفها الداخلي ويعمّق حالة التذمر الشعبي في الإقليم”، مؤكداً أن “خطوة التفاهم هذه تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الجانب المالي من أجل أن تؤسس لإمكانية التقارب بين بغداد وأربيل على مستوى أوسع”.

وتابع أنه “عند النظر إلى هذا التقارب من زاوية مستقبل التحالفات السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، يبدو أن الاحتمال قائم بالفعل بأن يفتح حل الملفات الاقتصادية باباً لنقاش أوسع حول بناء تفاهمات سياسية أعمق، بل ربما تحالفات برلمانية قد يكون لها دور مؤثر في رسم ملامح الحكومة القادمة، ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال يظل مرهوناً بمدى التزام بغداد بتنفيذ الاتفاقات بشكل مستمر ودون انقطاع، وبقدرتها على بناء الثقة مع مختلف القوى الكردية التي لا تزال تعاني من انقسامات داخلية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني فضلاً عن قوى أصغر، وأن نجاح السوداني في هذا الملف قد يفتح المجال أمامه ليحظى بدعم بعض الأطراف الكردية، لكنه في الوقت نفسه سيواجه حسابات معقدة مرتبطة بالظرف الإقليمي والداخلي”.

وأضاف أن “ما يتعلق بإمكانية أن يتحول هذا التقارب إلى دعم كردي لولاية ثانية لرئيس الوزراء، فإن المؤشرات الراهنة توحي بأن ذلك ليس مستبعداً، لكنه لن يكون دعماً مطلقاً أو غير مشروط، بل سيكون مشروطاً بمدى ما سيقدمه السوداني من ضمانات ملموسة لحقوق الإقليم في الموازنة، وبمدى ما سيستطيع أن يبرهن عليه من قدرة على حماية الاستحقاقات الدستورية الخاصة بكردستان، فالقوى الكردية ليست في وارد التفريط في مصالحها أو الدخول في تحالفات مجانية، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن السوداني أبدى قدرة على معالجة ملفات معقدة بطريقة عملية قد لا يكون من السهل على أي رئيس وزراء آخر أن يكررها بالفاعلية ذاتها، لذلك يمكن القول إن الباب يبقى مفتوحاً لدعم كردي لولاية ثانية، غير أن ذلك سيظل مشروطاً ومبنياً على حسابات دقيقة تراعي التوازنات الوطنية والمصالح المشتركة للطرفين”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى