الصحافة الإيرانية: ثلاثة ممرات إسرائيلية وهندسة جديدة للمنطقة

شهدت السياسات الإسرائيلية في السنوات الماضية في منطقة غرب آسيا تغيرات كبيرة تمحورت في الغالب حول ثلاثة مشاريع استراتيجية تحمل أسماء «ممر نتساريم»، و«ممر فيلادلفيا»، و«ممر داوود».

ميدل ايست نيوز: شهدت السياسات الإسرائيلية في السنوات الماضية في منطقة غرب آسيا تغيرات كبيرة تمحورت في الغالب حول ثلاثة مشاريع استراتيجية تحمل أسماء «ممر نتساريم»، و«ممر فيلادلفيا»، و«ممر داوود». لم تكن هذه المشاريع مجرد ممرات عبور أو طرق نقل، بل شكلت أجزاء من خريطة أوسع وأكثر تعقيداً. فغاياتها تتجاوز الأهداف العسكرية أو المكاسب قصيرة المدى، وتسعى في الوقت نفسه إلى التأثير في مجالات متعددة مثل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في المنطقة.

نتساريم: أداة لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا

وكتب موقع دبلوماسي إيراني في تقرير، إن ممر نتساريم أدى إلى فصل جغرافي بين شمال قطاع غزة وجنوبه، ما منح إسرائيل قدرة أكبر على السيطرة على القطاع، لكنه في المقابل جعل حركة تنقل السكان أكثر صعوبة وأدى إلى تغيّر في البنية السكانية والهوية الاجتماعية لغزة. وقد تسببت هذه القيود في ضغوط نفسية ومعيشية هائلة على السكان، وجعلت القطاع شبه معزول عن باقي المناطق الفلسطينية. كما أن استمرار الحصار وإغلاق المنافذ جعل من غزة أشبه بجزيرة محاصرة، الأمر الذي انعكس سلباً على الأمن والاستقرار والأمل لدى سكانها.

فيلادلفيا: حصار أشد وتداعيات إقليمية

يقع ممر فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، ويُعد نقطة محورية في تفاعلات وصراعات القوى الإقليمية. كان هذا الممر آخر منفذ بري يربط سكان غزة بالعالم الخارجي، لكن مع زيادة الحضور العسكري الإسرائيلي أُغلق هذا المنفذ تقريباً، ما ضاعف الحصار الإنساني والاقتصادي على القطاع. هذا الوضع لم يقتصر على تفاقم الأزمة الإنسانية، بل أثار أيضاً انتقادات واسعة ضد الحكومة المصرية، وأضعف الاتفاقات القديمة المتعلقة بالسلام، وساهم في تدهور الأوضاع الأمنية جنوب فلسطين. ليتحول ممر فيلادلفيا اليوم لأداة للمفاوضات والمساومات السياسية تتجاوز طريق العبور.

داوود: مشروع معقد ومتعدد الأبعاد

يمتد ممر داوود من الجولان إلى شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء منطقة عازلة ونفوذ متقدم في مواجهة محور المقاومة، كما يسعى إلى إعادة تشكيل توازن القوى في منطقة بلاد الشام وحتى العراق. هذا الممر لا يقتصر على البعد العسكري، بل يتضمن أهدافاً اقتصادية، مثل ربط شبكات الطاقة والتجارة العالمية، ويتماشى تماماً مع السياسات التي يتبناها الحلفاء الغربيون لإسرائيل.

وتؤدي مجموعات مثل الأكراد والدروز دوراً محورياً في هذا المشروع، إذ أدى دعم إسرائيل لهذه المكونات إلى تصاعد الانقسامات العرقية في سوريا والعراق وإضعاف التماسك الوطني فيهما، وهو ما يصب في مصلحة تل أبيب وحلفائها. في المقابل، تسعى حكومتا سوريا والعراق، بدعم إقليمي ودولي، إلى استعادة السيطرة على أراضيهما واحتواء هذه الانقسامات.

صلة الوصل: نظام جديد أم فوضى أوسع؟

رغم أن هذه الممرات الثلاثة تبدو مستقلة عن بعضها، فإنها في الواقع مكملة لبعضها الآخر. فهدفها الرئيسي هو إحداث فصل سكاني وجغرافي وقطع خطوط التواصل الأساسية بين شعوب فلسطين وسوريا والعراق. ومن خلال تقييد حركة الأفراد والبضائع وتعقيد عودة اللاجئين، تعرقل هذه المشاريع أي فرص للتنمية أو التكامل الإقليمي في المستقبل. وفي المحصلة، ستؤدي هذه السياسات إلى تغييرات عميقة في البنية الاقتصادية والجيوسياسية للشرق الأوسط، مع ما يرافق ذلك من تصاعد في الأزمات وعدم الاستقرار.

النتائج الديموغرافية والأمنية والسياسية

من أبرز نتائج هذه السياسات حدوث تحولات ديموغرافية وهجرات قسرية للسكان، ما يهدد الهوية والأمن والاستقرار السياسي في دول المنطقة. هذا الواقع أفسح المجال أمام تنامي النزعات القومية والطائفية، فيما يتعرض محور المقاومة لضغوط شديدة. غير أن القوى الإقليمية، سواء على مستوى الدول أو الجماعات المحلية، تحاول بوسائل مختلفة وقف المسار الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه أو على الأقل موازنته.

دور الدول الأخرى وحرب السرديات

إلى جانب الأطراف الرئيسة، تتداخل في هذه المعادلة دول أخرى مثل إيران وتركيا ومصر والولايات المتحدة والصين وروسيا، ولكل منها مقاربتها الخاصة تبعاً لمصالحها الاستراتيجية. وفي الوقت ذاته، أصبحت الحرب الإعلامية وسجالات الرأي العام داخل المنطقة وخارجها عاملاً مؤثراً في توجيه السياسات. إذ يمكن لحملات الدعاية والإعلام أن تؤثر في قرارات الحكومات والمنظمات الدولية، وأن تشكل تحدياً للمشاريع المطروحة.

الحلول الممكنة والمستقبل المحتمل

إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو دون إيجاد إطار حقيقي للحوار والتعاون بين دول المنطقة، فإن الشرق الأوسط سيواجه أزمات جديدة أكثر تعقيداً. ولن يكون الحد من هذه المخاطر ممكناً إلا عبر مفاوضات إقليمية شاملة تقوم على احترام سيادة الدول، وتعزيز التنسيق بين القوى المعارضة لهذه المشاريع، ودعم دور الإعلام في التوعية والمساءلة، على أمل أن تتهيأ بيئة أكثر استقراراً لمستقبل المنطقة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى