الصحافة الإيرانية: هل تتمكن إيران من الانضمام إلى التحالف الأمني بين السعودية وباكستان؟

يدرك المسؤولون في إسلام آباد تماماً حساسية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تجاه أي تحالف عسكري يمكن أن يغيّر ميزان القوى الإقليمي، خصوصاً إذا فسّر على أنه يحمل طابعاً هجومياً أو عدائياً تجاه إسرائيل.

ميدل ايست نيوز: خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الرياض ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 17 سبتمبر 2025، تم توقيع “اتفاقية دفاعية استراتيجية متبادلة” بين باكستان والمملكة العربية السعودية. تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون الأمني والدفاعي القائم منذ عقود بين البلدين، من خلال التزامات شاملة في مجال الدفاع المشترك، إلى درجة أن بعض المسؤولين من الجانبين – بمن فيهم وزير الدفاع الباكستاني – ألمحوا إلى أن الاتفاق يتضمن شكلاً من أشكال الردع النووي الموسع.

وفي خطوة مفاجئة عقب هذا الاتفاق، أعرب اللواء يحيى رحيم صفوي – القائد السابق للحرس الثوري والمستشار العسكري الأعلى للمرشد الأعلى الإيراني – عن ترحيبه بتوقيع هذه الاتفاقية، قائلاً: “نقيّم هذا الاتفاق بإيجابية. وقد أعلنت باكستان أن دولاً أخرى يمكنها الانضمام إليه، وأقترح أن تنضم إيران أيضاً إلى هذا الاتفاق.”

وقال موقع انتخاب في تقرير له، إن هذا الاقتراح أعاد إلى الأذهان مبادرة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر 2007، التي دعا فيها إلى إنشاء “منظمة للتعاون الأمني”، وهي فكرة لم تلق آنذاك أي تجاوب من دول الخليج، وبقيت مجرد طموح بعيد عن الواقع.

وجاء اقتراح صفوي في وقت بالغ الحساسية، إذ منحت باكستان بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية وسامها الأعلى لقائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، بينما تنتظر السعودية – الحليف الوثيق لواشنطن – حسم الحرب في غزة لبحث إمكانية المضي في مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن إطار “اتفاقيات إبراهيم”.

وتعد إيران والسعودية منذ نحو نصف قرن من أبرز اللاعبين الإقليميين المتنافسين في الشرق الأوسط، إذ يخوض البلدان صراعاً معقداً ومتعدد الأبعاد على المستويين الأيديولوجي (الشيعة والسنة، والنظام الإقليمي) والجيوسياسي (النفوذ في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأسواق الطاقة، وحتى قضايا أمن الخليج وباب المندب).

والأهم أن إيران في الوقت الراهن تخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ما يجعل من المستبعد أن توافق السعودية أو باكستان على الانخراط في تحالف دفاعي مع طهران، إلا إذا واجهت الدولتان تهديداً وجودياً يفوق نطاق المنافسة الحالية ويمس أمنهما القومي بشكل مباشر.

ورغم تعرض قطر لهجمات إسرائيلية، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومنذ مارس 2022 واجتماع النقب الأمني، تبنى نهجاً براغماتياً وتعاوناً أمنياً تكتيكياً مع تل أبيب، مستفيداً حتى الآن من الضربات الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا واليمن، وكذلك من إضعاف القدرات الصاروخية والمنشآت النووية الإيرانية.

من جهة أخرى، أعادت السعودية خلال السنوات الأخيرة صياغة علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل والهند في المجالات الأمنية والاقتصادية، ساعية إلى تحقيق أهداف متنوعة. لذلك، فإن إدخال إيران في تحالف دفاعي ترعاه الرياض – حتى بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين في مارس 2023 بوساطة صينية – من شأنه أن يهدد المصالح الجيو-اقتصادية للمملكة ويضعها في مواجهة مع حلفائها الدوليين.

ولا يمكن إغفال أن باكستان دولة تمتلك سلاحاً نووياً وتعمل خارج إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT). وبالتالي، فإن أي ترتيبات دفاعية رسمية مع إيران يمكن أن تثير مخاوف من احتمال نقل القدرات النووية أو تقديم ضمانات متبادلة في المجال النووي، الأمر الذي سيؤدي إلى ردود فعل قوية من الهند وإسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى المؤسسات الدولية المعنية بنزع السلاح، وتعد خطوة محفوفة بالمخاطر.

كما يدرك المسؤولون في إسلام آباد تماماً حساسية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تجاه أي تحالف عسكري يمكن أن يغيّر ميزان القوى الإقليمي، خصوصاً إذا فسّر على أنه يحمل طابعاً هجومياً أو عدائياً تجاه إسرائيل، وهو ما يبدو أن بعض القادة العسكريين الإيرانيين لم يأخذوه في الاعتبار.

وتبرز أيضاً قضية القيود المفروضة على التعاون العسكري في ظل العقوبات الدولية. فبحسب طبيعة العقوبات والأنظمة الأممية، فإن أي تعاون عسكري علني – مثل بيع أو تبادل المعدات أو إجراء تدريبات مشتركة أو نشر قوات – قد يخضع لعقوبات مجلس الأمن أو العقوبات الثانوية الأمريكية. وينطبق ذلك بشكل خاص على إيران، التي تواجه مجدداً عقوبات متعددة من مجلس الأمن الدولي بعد تفعيل آلية “الزناد”.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الرياض ما زالت منذ فترة تسعى للحصول على ضمانات ردع موسعة من واشنطن، وحتى يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، تملك المملكة أسباباً وجيهة للنظر إلى باكستان بوصفها نوعاً من الضمان النووي، ولا سيما كوسيلة تأمين في مواجهة إسرائيل وإيران النووية المحتملة. لذلك، فإن تحقيق تحالف دفاعي ثلاثي يتطلب قبل كل شيء تحولاً جوهرياً في إدراك دول مجلس التعاون لطبيعة التهديد الذي تمثله إيران، وبناء ثقة متبادلة بين طهران والرياض، لا مجرد إعلان نوايا من الجانب الإيراني.

في المحصلة، تبدو فكرة انضمام إيران إلى الاتفاق الدفاعي بين السعودية وباكستان – رغم جاذبيتها النظرية – غير منسجمة مع الواقع السياسي والأمني الراهن في المنطقة، وتكشف تصريحات اللواء صفوي عن ضعف في القراءة الاستراتيجية للمشهد الإقليمي، إذ تصطدم هذه الفكرة بجملة من العوائق العملية والنظرية التي تجعل تحقيقها أمراً بعيد المنال.

اقرأ المزيد

الصحافة الإيرانية: مظلة الردع الإقليمية ضد تهديدات الكيان الصهيوني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى