كيف غيرت العقوبات ملامح الاقتصاد الإيراني؟

تسببت العقوبات الدولية خلال العقد الماضي في تقلص حجم الشريحة الوسطى في إيران وتغيير بنيتها، وهو ما انعكس بوضوح على مستويات الرفاه وسوق العمل والاقتصاد الكلي في البلاد.

ميدل ايست نيوز: تسببت العقوبات الدولية خلال العقد الماضي في تقلص حجم الشريحة الوسطى في إيران وتغيير بنيتها، وهو ما انعكس بوضوح على مستويات الرفاه وسوق العمل والاقتصاد الكلي في البلاد.

ووفقاً لتقرير نشره موقع إكوايران الاقتصادي، لم تعد العقوبات مجرد أداة دبلوماسية، بل تحولت إلى قوة رئيسية أعادت تشكيل البنية الاقتصادية والتركيبة الاجتماعية لإيران. وفي قلب هذا التحول تقف الطبقة الوسطى، التي تُعد في المدارس الاقتصادية المحرك الأساسي للنمو والابتكار والاستقرار الاجتماعي، كما تلعب دوراً محورياً في خلق الطلب الفعّال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتشير البيانات إلى أن هذه الطبقة الحيوية أصبحت أصغر حجماً وأكثر هشاشة بفعل العقوبات.

قبل بدء موجة العقوبات الجديدة مطلع العقد الثاني من القرن الحالي (2010 تقريباً)، كانت حصة الطبقة الوسطى في إيران في مسار تصاعدي وبلغت نحو 68 في المئة من السكان، إلا أن تصاعد الضغوط الاقتصادية عكس هذا الاتجاه لتتراجع النسبة إلى نحو 55 في المئة. ويعكس هذا الانخفاض البالغ 13 نقطة مئوية ليس فقط تراجعاً نسبياً للطبقة الوسطى، بل أيضاً ارتفاعاً موازياً في معدلات الفقر النسبي، إذ ارتفعت حصة الشريحتين الأدنى من الدخل من 12.5 في المئة إلى نحو 30 في المئة. وتُظهر هذه الأرقام الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية في البلاد.

أربع قنوات رئيسية لانتقال آثار العقوبات إلى الدخل وفرص العمل

لفهم عملية “تآكل الطبقة الوسطى”، يوجد أربع قنوات رئيسية أثّرت من خلالها العقوبات في الدخل والرفاه وفرص العمل، وهنا يتضح كيف دفعت نسبة كبيرة من الكفاءات والعمالة المتخصصة نحو وظائف غير رسمية وغير مستقرة:

  1. إضعاف المؤشرات الاقتصادية وتراجع الرفاه الفردي:
    العقوبات النفطية والمصرفية قللت بشكل مباشر من إيرادات البلاد بالعملات الأجنبية، ما أدى إلى تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي. وبذلك ظل الناتج المحلي الإجمالي للفرد في حالة ركود أو انخفاض مقارنة بسنوات ما قبل العقوبات. كما قلصت القيود المفروضة على الواردات الصناعية والآلات الحديثة من القدرات الإنتاجية، وأضعفت عملية التحديث الصناعي.
  2. تأثير سلبي على سوق العمل وتنامي الوظائف غير الرسمية:
    شكلت العقوبات صدمة قوية لسوق العمل. فبعدما كانت مشاركة النساء والشباب المتعلمين في تزايد مطّرد، أدت العقوبات إلى تراجع واضح في معدل المشاركة الاقتصادية بسبب توقف مشاريع صناعية وتجميد استثمارات. وأجبرت شريحة واسعة من القوى العاملة، خصوصاً الشباب المتعلمين، على العمل في قطاعات غير رسمية منخفضة الدخل وغير مستقرة، ما زاد هشاشتهم أمام التضخم وتقلبات الاقتصاد.
  3. اضطراب التجارة الخارجية وظهور شبكات الريع:
    أضعفت القيود المفروضة على التجارة والتحويلات المصرفية سلاسل التوريد ووجهت ضربة مباشرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل عماد الابتكار والتشغيل في إيران. وفي المقابل، استفاد عدد محدود من الفاعلين الذين يمتلكون قنوات خاصة أو تراخيص استثنائية لتجاوز العقوبات، ما أدى إلى تركّز الثروة واتساع فجوة الدخل بين الطبقات.
  4. تراجع كفاءة الحوكمة وازدياد الفوارق الاجتماعية:
    أدت الضغوط المالية الناتجة عن العقوبات، إضافة إلى الحاجة للالتفاف على الأنظمة الدولية، إلى إضعاف المؤسسات العامة وتقليص قدرتها على إدارة الاقتصاد بكفاءة. كما تراجعت مؤشرات الشفافية والكفاءة الحكومية، وتضررت الخدمات العامة في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، وهو ما انعكس مباشرة على جودة حياة الطبقة الوسطى.

العودة إلى النمو: خمس استراتيجيات لإحياء الطبقة الوسطى

لولا العقوبات لكان الاقتصاد الإيراني قادراً على مواصلة نمو الطبقة الوسطى لتتجاوز نسبتها 80 في المئة من السكان. وهنا مجموعة من السياسات المترابطة لإعادة تنشيط هذه الطبقة الحيوية واستعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وتشمل:

  1. إعادة بناء العلاقات التجارية والدبلوماسية لضمان وصول مستقر للأسواق العالمية وتمويل مستدام.
  2. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر تسهيلات وتمويلات خاصة لتعزيز فرص العمل النوعي.
  3. وضع سياسات صناعية جديدة تقلل الاعتماد على تصدير المواد الخام وتدعم الصادرات ذات القيمة المضافة العالية.
  4. تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد لكبح اقتصاد الريع وإعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدلاً.
  5. تطبيق برامج اجتماعية فعالة مثل التأمين ضد البطالة والدعم الموجّه لحماية دخول الطبقة الوسطى من الصدمات الاقتصادية المستقبلية.

ويخلص تقرير إكوايران إلى أن هذه الإجراءات لا تقتصر على حماية التوازن الاجتماعي، بل تُسهم أيضاً في تحفيز الطلب الداخلي وزيادة الاستثمارات، ما يضمن استقرار النمو الاقتصادي لإيران على المدى الطويل.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 + سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى