الصحافة الإيرانية: بعد عامين من “طوفان الأقصى”.. ما أهداف جولة لاريجاني في المنطقة؟

بعد مرور عامين على أحداث السابع من أكتوبر 2023، شهدت منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا تغييرات جذرية مقارنة بالسنوات السابقة.

ميدل ايست نيوز: بعد مرور عامين على أحداث السابع من أكتوبر 2023، شهدت منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا تغييرات جذرية مقارنة بالسنوات السابقة. العديد من الفصائل المسلحة التي كانت تُعد أدوات نفوذ لإيران ووسيلة لتحقيق توازن القوى في المنطقة، تعرضت خلال هذه الفترة للتراجع أو انشغلت بأزماتها الداخلية في بلدانها. حزب الله اللبناني، على سبيل المثال، يعاني من أضرار كبيرة تكبدها خلال الحرب مع إسرائيل بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024، حيث فقد عدداً من قادته وكوادره البارزين، وهو اليوم يواجه ضغوطاً متزايدة من واشنطن لنزع سلاحه.

وبحسب تقرير لصحيفة هم ميهن، أما في سوريا، فإن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي مثّل ضربة استراتيجية لطهران، التي فقدت بذلك حليفها العربي الحكومي الوحيد في المنطقة، إلى جانب خسارة قاعدة محورية لتمركز الميليشيات المتحالفة معها، ومساراً برياً استراتيجياً نحو لبنان، بات الآن تحت سيطرة أطراف معادية لسياساتها الإقليمية. في العراق، انخرطت فصائل “المقاومة” الموالية لإيران بعمق في الصراعات السياسية الداخلية، استعداداً للانتخابات المقررة الشهر المقبل.

خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، وسلسلة الهجمات الإسرائيلية المتقطعة خلال العامين الماضيين على أراضٍ ومصالح إيرانية في المنطقة، سعت الفصائل المسلحة العراقية إلى تجنب الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو القوات الأمريكية المنتشرة على الأراضي العراقية. وحدها جماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن ما تزال تخوض مواجهات مباشرة مع إسرائيل.

هذه التطورات دفعت عدداً من المحللين الغربيين إلى القول إن إيران تمرّ بـ”أضعف حالاتها الإقليمية منذ عقود”. فاختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، وتزايد قدرة الولايات المتحدة على الضغط على طهران في ظل تراجع نفوذ حلفائها، جعل القيادة الإيرانية تسعى لإعادة بناء أدوات قوتها الإقليمية وحماية ما تبقى من نفوذها.

في هذا السياق، بدأ علي لاريجاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، منذ توليه مهامه في أغسطس الماضي، جولة إقليمية شملت عدداً من الدول بهدف إعادة ترميم شبكة النفوذ الإيراني. فقد زار لبنان مرتين، والعراق مرة، والسعودية مرة واحدة خلال الشهرين الماضيين.

التنافس على النفوذ

في الوقت نفسه، تعمل واشنطن ضمن سياسة “الضغط الأقصى” على استثمار النجاحات العسكرية الإسرائيلية في العامين الماضيين لتعزيز موقفها الإقليمي ومواجهة نفوذ الجماعات الموالية لإيران. ويتجلى هذا النهج بوضوح في لبنان، حيث قال توم باراك، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى شؤون سوريا ولبنان، عندما سئل عن أهداف واشنطن من تسليح الجيش اللبناني: “هدفنا أن يقاتلوا أبناء بلدهم… هدفنا هو حزب الله، وهدفنا هو إيران”. هذه التصريحات تعكس بوضوح أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة جديدة من المواجهة السياسية لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، ما يجعل مهمة طهران في إعادة بناء قوتها أكثر صعوبة.

ميزان قوى معقد

تسعى الولايات المتحدة في المنطقة لتحقيق أهداف متعددة ومتداخلة، منها احتواء النفوذ الإيراني، وضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على تحالفاتها مع الدول العربية، ومنع التغلغل الصيني والروسي في المنطقة. غير أن كل واحد من هذه الأهداف يواجه تحدياته الخاصة. فاستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، خاصة بعد مرور عامين على بدء الحرب في غزة وما صاحبها من تنديد عالمي واسع، وضع واشنطن في عزلة دولية متزايدة. كما أن مساعيها للحد من نفوذ إيران تصطدم أحياناً بضرورات الحفاظ على علاقاتها مع العواصم العربية الحليفة.

في المقابل، لا تبدو الطريق ممهدة أمام إيران لإعادة بناء نفوذها. فبعد عقدين من العقوبات والضغوط الاقتصادية، تعاني طهران من شح الموارد التي يمكن توجيهها لتمويل حلفائها الإقليميين. في الوقت نفسه، أدى تصاعد النهج العسكري الإسرائيلي، المدعوم بشكل غير محدود من واشنطن، إلى دفع “محور المقاومة” نحو وضع دفاعي، ما حدّ من قدرته على ترميم قوته العسكرية والسياسية.

كما أن تمسك إيران بمواقفها المبدئية إزاء القضية الفلسطينية جعلها أقل توافقاً مع الدول العربية التي تلتزم رسمياً بحل الدولتين. وإذا أرادت طهران النجاح في منافسة واشنطن على النفوذ الإقليمي واستعادة قدر من الدعم العربي، فستحتاج إلى مراجعة جذرية في استراتيجياتها وأدواتها.

ورغم أن إيران اكتسبت خلال العقدين الماضيين خبرات واسعة في تعزيز نفوذها الإقليمي — سواء بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أو خلال حرب الـ33 يوماً في لبنان عام 2006، أو عبر استغلال أحداث “الربيع العربي” في اليمن عام 2011، أو مشاركتها في الحرب ضد تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017 — فإن تكرار تلك التجارب لن يكون كافياً اليوم. فالمشهد الإقليمي تغيّر، والظروف الاقتصادية والسياسية أصعب من أي وقت مضى، ما يفرض على طهران بلورة سياسة جديدة تتيح لها تعظيم الاستفادة من حلفائها المحدودين دون إثارة مخاوف أو عداء إضافي لدى جيرانها والدول العربية المحيطة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى