الصحافة الإيرانية: إيران وتجربة تركيا وروسيا للسيطرة على سعر الصرف الأجنبي

يرى خبراء أن جذور الأزمة النقدية في إيران لا تكمن في العقوبات بقدر ما ترتبط ببنية صنع القرار نفسها. فاستقلال البنك المركزي لم يتحقق بعد بشكل فعلي والسياسات النقدية تُسخَّر لخدمة الأهداف القصيرة الأمد للميزانية والدعم الحكومي.

ميدل ايست نيوز: أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال الأيام الأخيرة، مجدداً ضرورة إنهاء نظام تعدد أسعار الصرف، قائلاً: “طالما استمر وجود أسعار متعددة للعملة الأجنبية، فإن الفساد وعدم الاستقرار سيبقيان قائمين”. كما انتقد بزشكيان توزيع العملة الأجنبية المدعومة، مشيراً إلى أن بعض الأفراد أو المؤسسات التي تتمتع بعلاقات خاصة هي التي تستفيد من الحصول على هذه العملة الرخيصة.

وقالت صحيفة دنياي اقتصاد، إنه رغم هذه التصريحات، يرى بعض صناع السياسات والخبراء أن العقوبات تُستخدم كذريعة لاستمرار سياسة تعدد أسعار الصرف، غير أن تجارب دول أخرى مثل روسيا وتركيا تُظهر مساراً مغايراً.

فبعد انهيار الروبل عام 2022، اتجه البنك المركزي الروسي، بدلاً من فرض سعر صرف رسمي ثابت، نحو سياسة “التعويم المُدار”، وهي خطوة أبقت سعر الصرف فعلياً عند مستوى واحد. وجعل البنك هدفه الرئيسي السيطرة على التضخم، كما استخدم أداة السياسة النقدية المتمثلة في سعر الفائدة، وسمح لقوى العرض والطلب في السوق بتحديد السعر. وفي الحالات الحرجة، كانت تدخلاته محدودة، مما ساعد على امتصاص الصدمات المفاجئة وتقليص فرص تحقيق الأرباح غير المشروعة من فروق الأسعار. ونتيجة لذلك، استعاد السوق الثقة تدريجياً، واقترب سعر الدولار حالياً من مستواه قبل الحرب. وبفضل إدارة فعالة للموارد المالية، تمكنت روسيا من تحقيق الاستقرار في سوق الصرف بعد التقلبات الأولية.

أما في إيران، فالمسار كان مختلفاً تماماً. فعلى مدى العقد الماضي، تحوّل نظام تعدد أسعار الصرف إلى أداة للسيطرة على الأسعار ودعم فئات محددة، لكن النتيجة كانت اتساع نطاق الفساد وارتفاع التوقعات التضخمية وتراجع الثقة العامة. واللافت أن هذا النظام كان يُطبق حتى قبل فرض العقوبات، وكان يُعاد تفعيله كلما شهدت السوق تقلبات حادة في سعر الصرف. ومن هنا يبرز التساؤل الأساسي: هل العقوبات هي السبب الحقيقي وراء تعدد الأسعار أم أن المستفيدين من هذا النظام هم من يقفون وراء استمراره؟

وتُظهر تجربة تركيا في العامين الماضيين نموذجاً آخر. فبرغم انخفاض قيمة الليرة بأكثر من 50 في المئة، لم تلجأ الحكومة التركية إلى تثبيت مصطنع لسعر الصرف أو اعتماد أسعار متعددة، بل اختارت طريق الإصلاحات النقدية ورفع أسعار الفائدة وتعزيز شفافية السوق. هذه السياسات الصعبة حالت دون نشوء سوق سوداء ومنعت استغلال الفوارق السعرية. وقد قبلت أنقرة كلفة انخفاض قيمة عملتها، لكنها تجنبت كلفة الفساد المرتبط بسوق الصرف.

ويرى خبراء أن جذور الأزمة النقدية في إيران لا تكمن في العقوبات بقدر ما ترتبط ببنية صنع القرار نفسها. فاستقلال البنك المركزي لم يتحقق بعد بشكل فعلي، والسياسات النقدية تُسخَّر لخدمة الأهداف القصيرة الأمد للميزانية والدعم الحكومي. وفي مثل هذا الإطار، حتى أفضل القرارات التقنية أو التنفيذية تُؤجل أو تُفرغ من مضمونها. ويُعد تعدد أسعار الصرف في آنٍ واحد مؤشراً على الأزمة وأحد أسباب استمرارها.

ولا تزال إيران عالقة في دورة تفضّل فيها “تثبيت سعر الصرف للتحكم في الأسعار” على حساب التوازن الواقعي في السوق. ومع تأكيد الرئيس بزشكيان على ضرورة إنهاء هذا النظام، يبرز التساؤل الآن حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ الإصلاح أم لا. فالانتقال إلى نظام سعر صرف موحد ليس مجرد قرار اقتصادي، بل اختبار لمدى التزام الحكومة بالشفافية وبناء الثقة والانضباط المالي. ومن دون تحقيق ذلك، سيبقى الاقتصاد الإيراني أسير مشكلته المزمنة: عملة وطنية تضعف يوماً بعد يوم، لا بسبب العقوبات، بل نتيجة السياسات الخاطئة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى