الصحافة الإيرانية: التعاون بين طهران والرياض… ركيزة الاستقرار في المنطقة
أظهر لقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع ولي العهد محمد بن سلمان في الدوحة، وزيارة المستشار الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى الرياض، أن التعاون بين إيران والسعودية يعزّز الاستقرار والوحدة في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: لم يكن الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو وعلى قطر في 9 سبتمبر مجرد عمل عسكري أو انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، بل كان تعبيرًا عن تحوّل استراتيجي في مغامرات إسرائيل السياسية والعسكرية. فمن خلال إذكاء نزعة الحرب، قامت القوى الأجنبية بتوسيع نطاق الصراع في المنطقة بأسرها، مهددةً السلام والأمن الإقليميين. وقد أظهر العدوان الإسرائيلي على أراضي عدة دول في المنطقة أن أي بلد لم يعد بمنأى عن اعتداءات هذا الكيان.
وكتب السفير الإيراني لدى السعودية، علي رضا عنايتي، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إن الكيان الإسرائيلي الذي سبق أن ارتكب جريمة غير مسبوقة تمثّلت في الإبادة الجماعية في غزة، وشنّ مرارًا هجمات على سوريا ولبنان واليمن، قد رفع الآن مستوى عملياته باستهدافه إيران وقطر، مما دفع منطقتنا نحو مزيد من انعدام الأمن والأزمات. في الواقع، فإن سلوك هذا الكيان المتمرّد ينبع من استراتيجية مدروسة تهدف إلى فرض نظام عسكري توسعي قائم على القوة والاحتلال والضم والإبادة الجماعية. الهدف من هذه الاستراتيجية هو إضعاف النظام القائم على السلام والتنمية، وتقويض الآفاق الاقتصادية لشعوب المنطقة.
وفي مواجهة الاعتداءات العسكرية للكيان الصهيوني على إيران وقطر، أظهرت دول المنطقة عقلانية جماعية وإحساسًا بالمسؤولية من خلال ردودها الدبلوماسية ومبادرات الحوار. وقد أكدت مواقف الدول المجاورة ودورها الفاعل في احتواء الحرب مجددًا أننا جميعًا في قارب واحد ونتقاسم هدفًا مشتركًا: الحفاظ على المنطقة بوصفها ركيزة للاستقرار والتنمية.
في ظل الظروف الجديدة والتحديات المستحدثة، نحن بحاجة إلى صياغة إطار جديد للتعاون البنّاء في المنطقة؛ إطار يتيح لدولها المساهمة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا ومنفعة للجميع. وبدلًا من العودة إلى الممارسات السابقة وتكرار الادعاءات وفرض المطالب من طرف واحد وطرح ضمانات أحادية الجانب أو الانشغال بالخلافات التاريخية، فإن أمامنا الآن فرصة للتركيز على المستقبل. فالمقياس الحقيقي للنجاح هو ما نحققه معًا في المستقبل، لا ما حدث في الماضي.
إن الماضي ليس مكانًا للبقاء فيه، بل مصدرًا للتعلّم من أجل المستقبل؛ وإلا فلن يتحقق أي تقدّم، وسيظل الأفق غامضًا. من الضروري أن يكون إنشاء كيان إقليمي أكثر أمنًا وهدوءًا وتماسكًا ووحدةً أولوية قصوى، بالتوازي مع إجراء حوارات جادة حول مفهوم «الأمن الإقليمي المشترك».
لقد كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الدوام تطالب بإقامة آلية أمنية مشتركة تقوم على الحوار وبناء الثقة. فإيران، بصفتها فاعلًا نشطًا يسعى إلى السلام، تدرك تمامًا أن أمنها واستقرارها مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بأمن واستقرار جيرانها. وتُذكّر التطورات الأخيرة مجددًا بأن الأمن ليس مفهومًا فرديًا أو قابلًا للتجزئة، بل هو خير عام إمّا أن يشترك فيه الجميع أو يفتقده الجميع.
حان الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى لتكثيف المشاورات والاجتماعات المشتركة، مثل قمة الدوحة في سبتمبر، بهدف التوصل إلى فهم مشترك لتطورات المنطقة واتخاذ قرارات تاريخية. إن المبادرات التي طرحتها دول المنطقة، بما في ذلك رسالة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت الراحل، إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 2017؛ ومبادرة مجلس التعاون بشأن الأمن الإقليمي في عام 2024؛ ومبادرة “هرمز للسلام” التي طرحتها إيران في عام 2019 — كلّها وفرت أطرًا مناسبة للوصول إلى رؤية مشتركة للتعاون الإقليمي.
وفي هذا السياق، تواصل إيران مشاوراتها المنتظمة مع دول الجوار، ومن بينها المملكة العربية السعودية، على مختلف المستويات. وقد أظهر لقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع ولي العهد محمد بن سلمان في الدوحة، وزيارة المستشار الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى الرياض، أن التعاون بين إيران والسعودية يعزّز الاستقرار والوحدة في المنطقة.
إن تحقيق الفهم المشترك والحوار المستمر بين طهران والرياض يمهّدان الطريق لحل معضلة الأمن الإقليمي. وتؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية استمرارها في سياسة إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع الجيران، من أجل بناء منطقة قوية ومتوازنة ومتمحورة حول التنمية، وإرساء أمن مستدام قائم على الازدهار المشترك. كما تمدّ إيران يد الصداقة إلى جميع جيرانها، مؤكدة أنهم يستطيعون الاعتماد عليها كشريك موثوق به.