الصحافة الإيرانية: إلى الفلسطينيين؛ لا تسمحوا لإسرائيل بإعادة بناء صورتها عبر أخطائكم

لقد أظهرت هذه الحرب أن حكم الرأي العام العالمي أصبح ذا أهمية قصوى لكل قوة سياسية ولكل دولة، وليس فقط أحكام الحكومات أو مجلس الأمن.

ميدل ايست نيوز: قبل عامين، عندما بدأت حركة حماس هجومها على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، كان من المستحيل التنبؤ بمستقبل هذه الأحداث، تماماً كما لم يكن أحد يتوقع حدوث مثل هذا الهجوم من الأساس. آنذاك، لم يكن أحد قادراً على تخيل المشهد الحالي من وقف لإطلاق النار وانسحاب وتبادل للأسرى، أو الحالة العامة في الشرق الأوسط اليوم. ومن هذا المنطلق، ربما من الصعب أيضاً التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، غير أن التخمين المنطقي يبقى مفيداً.

وكتب عباس عبدي، الناشط السياسي والاجتماعي والباحث في علم الاجتماع والصحافي الإصلاحي الإيراني، في صحيفة اعتماد، أن هذه الحرب تُحدث تحولاً استراتيجياً في مسار النضال الفلسطيني، تماماً كما تُدخل إسرائيل في حالة ارتباك استراتيجي عميقة. أكبر خسارة لإسرائيل ليست في عدد قتلاها، ولا في فشلها الاستخباراتي في الأيام الأولى للحرب، ولا حتى في طول أمدها، بل في انكشاف وجهها الحقيقي وخروجها من عباءة “المظلومية التاريخية” التي اكتسبتها من الهولوكوست، وارتدائها ثوب الجريمة. لقد أصبح هذا السلوك واضحاً للجميع، وخاصة لحلفائها في الغرب.

جيل أوروبا القديم كان يرى نفسه مديناً لإسرائيل بسبب الهولوكوست، لكن الجيل الغربي الجديد ينشأ على نزعة متزايدة مناهضة لإسرائيل، وهذا هو منطلق الأزمة الوجودية الإسرائيلية، شريطة أن يتحلّى الفلسطينيون بالحكمة الكافية وألا يسمحوا بأن تُعيد تصرفاتهم أو سياساتهم ترميم الصورة المهزوزة لإسرائيل من جديد.

في المقابل، الفلسطينيون يرون هذا النصر ليس فقط نتيجة عملية السابع من أكتوبر، بل ثمرة لصمودهم ومعاناتهم خلال عامين من الحياة تحت القصف والحصار في غزة. فإذا نظرنا اليوم، نرى تظاهرات حاشدة ضد إسرائيل في مختلف أنحاء أوروبا، ونرى البرلمان الإسباني يحظر تجارة السلاح معها، والإيطاليين يشعرون بالخجل من مواجهة المنتخب الإسرائيلي في كرة القدم، فيما يغيّر بنيامين نتنياهو مسار طائرته إلى الولايات المتحدة خشية الاعتقال. حتى صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية كتبت: “الإسرائيليون العائدون من أوروبا يقولون إن فلسطين التي مُحيت بالقوة عام 1948، اليوم حاضرة في كل مكان خارج حدودها. حضور حيّ، عنيد، وملوّن.”

وللمرة الأولى، ترتفع نسبة المواقف السلبية تجاه إسرائيل حتى بين اليهود الأمريكيين أنفسهم، حيث يرى أكثر من 60 في المئة منهم أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة. كما شهدت أوروبا مظاهرات بمئات الآلاف ضدها، بل حتى أميركا الجنوبية، التي كانت دوماً بمثابة “الحديقة الخلفية” لإسرائيل والولايات المتحدة، وصلت إلى مرحلة وصف فيها رئيس كولومبيا نتنياهو بأنه “قاتل الأطفال”، وقال لترامب: “إذا أرسلت جيشك إلى غزة، فسأرسل أنا أيضاً جيش كولومبيا، وسنقاتل هناك.”

وأخيراً، عندما يقول ترامب: “إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم”، فإنه يقرّ ضمناً بأن إسرائيل أصبحت فعلاً في حرب مع العالم.

كانت غولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، قد قالت يوماً: “بعد الهولوكوست، يملك اليهود الحق في فعل أي شيء.” اليوم، يردّ عليها الرأي العام العالمي بأن “لا يمكن ارتكاب أفظع الجرائم تحت راية المظلومية.” هذه هي النتيجة المنطقية لما ارتكبته إسرائيل في غزة، وقد تحوّل ذلك إلى مصدر قوة للفلسطينيين. لقد أثبتت السنتان الماضيتان أن الحرب قد تبدأ حتى في أكثر الموازين العسكرية اختلالاً، لكنها ليست الحل النهائي، ولا مفرّ في النهاية من الحوار.

لقد أظهرت هذه الحرب أن حكم الرأي العام العالمي أصبح ذا أهمية قصوى لكل قوة سياسية ولكل دولة، وليس فقط أحكام الحكومات أو مجلس الأمن. فحكم الشعوب والرأي العام أصبح أكثر تأثيراً، لأن مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعة انتشار الصور والأخبار والآراء، جعلت من الممكن تكوين رأي عام عالمي مستقل عن الإعلام الرسمي والتقليدي. إسرائيل، التي كانت تملك هيمنة شبه مطلقة على وسائل الإعلام العالمية الكبرى، فقدت اليوم تلك السيطرة، وقد اعترفت مراراً بهذا الضعف.

من هنا، فإن كسب تعاطف الرأي العام العالمي والحفاظ عليه أصبح عاملاً أساسياً في معادلة القوة الوطنية. وهذه القوة تبدلت خلال الحرب؛ فكلما خسرتها إسرائيل، اكتسبها الفلسطينيون، وهذه مجرد بداية الطريق. إلا أن الحفاظ على هذه القوة أصعب بكثير من اكتسابها. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف بالاعتماد على النهج العسكري وحده، تماماً كما لم تستطع إسرائيل – رغم قوتها العسكرية الهائلة – أن تحافظ عليها.

وفي الختام يطرح السؤال: ما تأثير هذا الوضع على إيران؟ هل يمكن الاستمرار بالاستراتيجية السابقة؟ وهل كانت تلك الاستراتيجية فعالة حقاً؟ وهل ما زالت أدوات تنفيذها قائمة ومتاحة؟ إن الجمود في السياسة الإقليمية الإيرانية رغم التحولات العميقة في المنطقة والعالم يدل على أن الاستراتيجية السابقة لم تكن متكئة على الواقع، وأنه لا بد من إعادة النظر والبحث عن نهج جديد. وهذه، برأيي، واحدة من أهم القضايا التي تواجهنا اليوم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى