الصحافة الإيرانية: هل المنطقة على موعد مع “سلام إقليمي شامل”؟
إن العنصر الجديد الأبرز في مقاربة ترامب للشرق الأوسط هو محاولته إيجاد توازن بين مصالح إسرائيل ومصالح الحلفاء العرب، وهو ما قد تكون له آثار كبيرة على المنطقة.

ميدل ايست نيوز: ستدخل المرحلة الأولى من خطة السلام في غزة حيز التنفيذ يوم الاثنين، لكن من المبكر الحكم على الخطة بأكملها، إذ يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كانت المراحل التالية، وخصوصاً مسألة نزع سلاح حركة حماس، ستُنفذ أم لا.
وقال رحمن قهرمان بور، وهو باحث كبير في الشؤون الدولية، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إنه حتى الآن يمكن القول إن حماس قامت بنوع من التراجع التكتيكي، لأنها لم تقبل بنزع السلاح ولم يُتفق على خروجها من غزة. من ناحية أخرى، تمكنت الحركة في صفقة تبادل من إطلاق سراح ألفي أسير فلسطيني مقابل عشرين رهينة إسرائيلية، وبالتالي لا يمكن في هذه المرحلة الحديث عن تراجع استراتيجي لحماس.
لكن، بغض النظر عن كيفية سير المراحل المقبلة من خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبدو أن ما حدث حتى الآن يستحق التأمل والدراسة. أولاً، استطاع ترامب، عبر مبادرة دبلوماسية مهمة، أن يجمع عدداً من دول المنطقة والدول الإسلامية ويوظف نفوذها ومكانتها لدفع خطة السلام في غزة، وهو أمر بالغ الأهمية بحد ذاته. إذ لعبت وساطة تركيا وقطر ومصر، وعلاقتها بحماس، دوراً محورياً في قبول الحركة بهذه الخطة.
ويبدو أنه إذا نجح هذا الإطار المتعدد الأطراف، فقد يلجأ ترامب إلى توظيفه في سياسة واشنطن في الشرق الأوسط لحل أزمات أخرى، من بينها الملف النووي الإيراني. وإذا صحّ هذا الاحتمال، فإن معارضة المقترحات الأمريكية ستصبح أكثر صعوبة، لأنها ستضع إيران في مواجهة مع جيرانها وحلفائها الإقليميين، وهو ما حدث بالفعل مع حماس.
فعندما قدمت قطر وتركيا ومصر خطة السلام لحماس، كان رفض الحركة الكامل لها يعني عملياً معارضة هذه الدول الحليفة، وعلى رأسها قطر. كما يبدو أن ترامب توصّل إلى قناعة مفادها أنه بدلاً من الاصطفاف ضمن محور واشنطن – تل أبيب، يمكنه تشكيل محور أو إطار متعدد الأطراف لزيادة الضغط أيضاً على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. فمثلاً، في خطة السلام التي طرحها ترامب لغزة، تضمن المشروع بندين لم يكونا مقبولين لدى نتنياهو: الأول، انسحاب إسرائيل الكامل من غزة وعدم احتلالها مجدداً، والثاني، الإقرار بإمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. ويبدو أن هذين البندين أُدرجا في الخطة بضغط من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية.
وهذا يدل على أن ترامب يُولي أهمية كبرى لمصالح الدول العربية، ويسعى إلى تحقيق توازن بين مصالح إسرائيل من جهة، ومصالح حلفاء الولايات المتحدة العرب من جهة أخرى. فكما هو معروف، تعهدت ثلاث دول عربية – السعودية والإمارات وقطر – باستثمار نحو ألفي مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، وإذا تجاهل ترامب مصالح هذه الدول، فقد يُعرّض تلك الاستثمارات للخطر أو يمنع تنفيذها.
ومن هنا، فإن العنصر الجديد الأبرز في مقاربة ترامب للشرق الأوسط هو محاولته إيجاد توازن بين مصالح إسرائيل ومصالح الحلفاء العرب، وهو ما قد تكون له آثار كبيرة على المنطقة. وبمعنى آخر، سيحرص ترامب من الآن فصاعداً على أخذ مواقف الدول العربية الحليفة بعين الاعتبار في الملفات الإقليمية كافة، بما في ذلك الملف الإيراني، ما قد يغيّر المشهد القائم حالياً الذي تميل فيه البيروقراطية الأمريكية بشدة نحو المصالح الإسرائيلية.
لكن السؤال الأهم الذي يُطرح هنا هو: ما هي تبعات هذه الخطة على إيران؟ من النظرة الأولى، يبدو أن مسار تراجع نفوذ محور المقاومة في الشرق الأوسط مستمر؛ إذ يُمارس الضغط على حزب الله في لبنان لنزع سلاحه، وعلى حماس للانسحاب من غزة وقبول نزع سلاحها، إلى جانب الهجمات على الحوثيين في اليمن، والضغوط على الحشد الشعبي في العراق. كل هذه المؤشرات تعكس مساعي الولايات المتحدة وإسرائيل لإضعاف محور المقاومة.
وبما أن إيران تُعدّ رأس هذا المحور، يبرز السؤال الجوهري: هل تعني هذه الخطوات أن واشنطن وتل أبيب تتهيئان لمواجهة عسكرية مع إيران في المستقبل القريب؟ أم أن ما أشار إليه ترامب سابقاً هو الأصح، أي أن هذه التحركات قد تمهد لتقارب أو تفاهم بين إيران والولايات المتحدة مستقبلاً؟
حتى الآن لا توجد إجابة واضحة ومقنعة. يجب انتظار ما إذا كانت عملية نزع سلاح حزب الله في لبنان ودمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي – وفقاً للرؤية الأمريكية – ستتقدم فعلاً أم لا.
إذن، نحن أمام رؤيتين متناقضتين لخطة سلام غزة. الرؤية الأولى ترى أن السلام في غزة يشكل مقدمة لزيادة الضغط على إيران وتهيئة الظروف لمواجهة عسكرية مستقبلية بين إسرائيل وطهران.
أما الرؤية الثانية، فترى أن تراجع نفوذ محور المقاومة في المنطقة سيجعل الولايات المتحدة وإسرائيل أقل رغبة في تحمل كلفة صدام عسكري مع إيران، وأن إسرائيل – كما نُقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – قد تسعى إلى خفض التوتر وتجنب التصعيد مع طهران.
وفي كل الأحوال، يبقى تقديم إجابة حاسمة على هذه التساؤلات أمراً صعباً للغاية. فالمعطيات والتحركات الميدانية تشير إلى أن إسرائيل تستعد عسكرياً من جهة، لكنها في الوقت نفسه قد تُجبر بفعل ضغط الولايات المتحدة وحلفائها العرب على القبول باتفاق دبلوماسي مع إيران خلال الأشهر المقبلة.