إيران واتفاق شرم الشيخ.. مكسب وتهديد في آن واحد

تفاق شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل يتجاوز مجرد وقف لإطلاق النار في قطاع غزة إلى إعادة صياغة معادلات الشرق الأوسط بأسره

ميدل ايست نيوز: اتفاق شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل يتجاوز مجرد وقف لإطلاق النار في قطاع غزة إلى إعادة صياغة معادلات الشرق الأوسط بأسره، إذ تمسّ تداعياته مع مرور الوقت مختلف القوى الإقليمية وميزان التوازنات بشكل مباشر أو غير مباشر.

في إيران، لم يكن الاتفاق حدثاً عابراً، بل تحوّل إلى مرآة عاكسة للانقسام السياسي والفكري بين نخبها، إذ لم تعد فلسطين ملفاً خارجياً بل عنواناً في بازار الصراعات والمشاكسات الداخلية. وانطلاقاً من ذلك، يتباين الرأي بين من يرى في المقاومة السبيل الوحيد للوقوف في وجه “الأعداء”، مستشهداً بما جرى في غزة، ومعتبراً أن بقاء حماس في موقع التفاوض والاتفاق بعد حربٍ طويلة يُعد انتصاراً استراتيجياً للحركة و”محور المقاومة”، ودليلاً على فشل إسرائيل في إنهاء وجود المقاومة وفقدانها القدرة على فرض شروطها؛ وبين من يرى أن المقاومة باتت عبئاً يقيّد الدولة الإيرانية في زمن الحصار والضغوط الدولية، وأن حماس “انحنت” أمام العاصفة، وأن شكرها للرئيس الأميركي دونالد ترامب في بيانها من دون شكر طهران يُظهر مزيداً من تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.

لكن وراء هذه القراءات المتضادة، يمكن القول إن ما جرى حول غزة ليس نهاية اللعبة بل ربما بدايتها في موقع آخر. حين تطفأ حرب غزة، يُحتمل أن تستعيد واشنطن وتل أبيب تركيزهما على الملف الإيراني، عبر إعادة توظيف أدوات الضغط ربما تصل إلى إشعال حرب جديدة.

تتكرّس المخاوف الإيرانية أيضاً من أن يعقب اتفاق شرم الشيخ التمهيد لمرحلة تطبيع أوسع في المنطقة عبر “اتفاقيات أبراهام” و”السلام الاقتصادي”، وهي مسارات أميركية تهدف إلى إقصاء إيران من المعادلات الإقليمية وإعادة تعريف مفهوم الأمن في الشرق الأوسط دونها.

مع ذلك، لا يستبعد أن يمنح اتفاق غزة ترامب دافعاً إضافياً لاستئناف مسار الدبلوماسية مع إيران، فالرئيس الأميركي الذي يرى في وقف الحرب أكبر إنجاز قابل للتسويق في ظل الانسداد الذي يواجهه في ملفي إيران وأوكرانيا، يدرك أن استئناف التفاوض مع طهران يمكن أن يحقق له مكسباً إضافياً، أقله إعلامياً، لإظهار قدرته على جرها إلى طاولة التفاوض ولتكريس صورته صانعَ صفقات كبرى.

ومن هذا المنطلق جاء تصريحه بأن إيران ستنضم إلى السلام في المنطقة، وهو تصريح يحمل تهديداً بقدر ما يحمل استعداداً أميركياً للعودة للدبلوماسية مع طهران، التي لا تغفل عن أن واشنطن قد تحاول استثمار لحظة الهدوء في غزة لفتح مرحلة جديدة من ضغط مضمَّن في خطاب دبلوماسي ناعم. لذلك، يمكن القول إن اتفاق شرم الشيخ يمثل في آن واحد مكسباً لإيران وتهديداً لها، فهو حدّ من حرب إبادة خرج منها حليفها الفلسطيني منتصراً ببقائه فاعلاً، لكنه في الوقت نفسه يُطلق ديناميات تدخل الصراع معها إلى مرحلة جديدة قد تُضيق المجال الاستراتيجي لها في المنطقة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى