الصحافة الإيرانية: تكمن القوة الحقيقية في القدرة على حل المشكلات، لا في استمرار الأزمات

في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات المعادلات الدولية يوماً بعد يوم، لا يزال الحوار أحد أهم أدوات السياسة الخارجية للحفاظ على المصالح الوطنية وتقليل التوترات.

ميدل ايست نيوز: قال الأمين العام لمنظمة العدالة والحرية وعضو الهيئة الرئاسية للحزب الإصلاحي الإيراني إن “التفاوض ليس علامة ضعف، بل هو استمرار للمقاومة عبر مسار العقلانية”، مبيناً أن إيران في ظل الظروف العالمية الجديدة بحاجة إلى إعادة تصميم محادثاتها، لا تكرارها؛ أي حوار يُعاد بناؤه على أساس التجربة والثقة والمصالح الوطنية.

في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات المعادلات الدولية يوماً بعد يوم، لا يزال الحوار أحد أهم أدوات السياسة الخارجية للحفاظ على المصالح الوطنية وتقليل التوترات. يقول خبراء العلاقات الدولية إن الحوار ليس فقط وسيلة لتجنّب الصراعات المكلفة، بل أداة لإعادة تعريف مكانة الدول في النظام الدولي.

تجلس الدول إلى طاولة المفاوضات عندما يصبح استمرار المواجهة مكلفاً، وتُضمن مصالحها عبر التفاهم. والمفاوضات الناجحة لا يمكن أن تتحقق إلا بتوافر ثلاثة عناصر في آن واحد: الإرادة السياسية، والتوازن النسبي في القوة، وتحديد الأهداف بشكل واضح. ومن دون هذه المقومات، تتحول المفاوضات إلى أداة دعائية لا إلى حل فعلي.

نحتاج لإعادة تصميم المفاوضات لا تكرارها

وفي حديث لموقع رويداد 24، رضا سالياني: “في الوضع الراهن الذي يشهد تحولات كبرى في المنطقة ويُعاد فيه تعريف موازين القوى في العالم، فإن إيران أيضاً بحاجة إلى مراجعة سياستها الخارجية. الحوار والتفاوض في مثل هذا السياق ليسا خياراً سياسياً، بل ضرورة وطنية. كل يوم تأخير في بدء عملية التفاوض يعني ضياع فرص اقتصادية وسياسية جديدة”.

وأضاف الأمين العام لمنظمة العدالة والحرية وعضو الهيئة الرئاسية للحزب الإصلاحي الإيراني: “لكن المسألة ليست في بدء التفاوض فقط، بل في إعادة تصميمه؛ إعادة تصميم تقوم على تجارب الماضي ومصالح الحاضر وآفاق المستقبل”.

دروس التجارب السابقة لا تعني رفض التفاوض

وأكد سالياني قائلاً: “خلال السنوات الأخيرة، جلست إيران إلى طاولة المفاوضات بينما الطرف المقابل لم يلتزم بتعهداته، بل اتجه نحو المواجهة والهجوم. لا يمكن إنكار هذه الحقيقة، لكن الدرس المستفاد من تلك التجربة ليس رفض التفاوض، بل ضرورة التفاوض الواعي. يجب تصميم آليات لضمان الالتزامات، سواء على مستوى القانون الدولي أو على مستوى التوافق الداخلي. فالحوار من دون ضمانات تنفيذية لا يمكن الاعتماد عليه”.

وأوضح: “الثقة لا يجب أن تكون عمياء، بل يجب أن تُبنى على أسس مؤسسية وبرنامجية وقوة وطنية. المفاوضات التي تُجرى بناءً على معرفة متبادلة وقدرة داخلية ودعم شعبي، لن تكون تكراراً لأخطاء الماضي”.

التفاوض استمرار للمقاومة إذا انطلق من منطق العقلانية

وقال الأمين العام لمنظمة العدالة والحرية وعضو الهيئة الرئاسية للحزب الإصلاحي الإيراني: “المفاوضة ليست دليلاً على التراجع. ففي عالم اليوم، تكمن القوة الحقيقية في القدرة على حل المشكلات، لا في استمرار الأزمات. الدولة القوية ليست تلك التي لا يتحدث إليها أحد، بل تلك التي تستطيع إدارة الحوار في ذروة الخلاف واستخدامه لخدمة مصالحها الوطنية. التفاوض هو استمرار للمقاومة إذا جرى من منطلق العقلانية والاقتدار”.

وفي ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، قال سالياني: “قضية التفاوض مع أميركا تحتل مكانة خاصة، فتصرفات الغرب تعرّف ضمن إطار سلوك الولايات المتحدة. التصاميم السابقة لم تحقق مصالحنا. ومنذ سنوات تُجرى المحادثات بشكل غير مباشر، لكن الواقع أن جزءاً مهماً من العقد الاقتصادية والمصرفية والطاقة في إيران لن يحل من دون حوار مباشر”.

وأوضح: “المفاوضة المباشرة لا تعني الاستسلام أو التبعية، بل تعني مزيداً من الشفافية والسيطرة. عندما تجري المفاوضات عبر قنوات غير رسمية، يصبح الآخرون وسطاء لمصالحهم، لا لمصالحنا. الحوار المباشر يعني إعادة السيطرة على مسار التفاوض إلى أيدينا. هذا الحوار يجب أن يكون من موقع العزة والحكمة والمصلحة، وعلى أساس معرفة دقيقة بالأهداف الاقتصادية والأمنية والإنسانية لإيران”.

المفاوضات تحسّن حياة الشعوب

وأضاف: “الشرط المسبق لمثل هذا المسار هو التوافق الداخلي والشفافية مع الشعب. فلا توجد مفاوضات في العالم يمكن أن تستمر من دون دعم شعبي. يجب أن نصل داخل البلاد إلى مستوى من التفاهم يمنع السياسة الخارجية من الوقوع في فخ التنافس الفئوي. يجب أن يشعر المواطنون أن المفاوضات تُجرى لتحسين حياتهم — من أجل الطمأنينة، وفرص العمل، والاستقرار، والنمو. فأي اتفاق لا يتضمن هذا البعد التنموي سيكون قصير العمر”.

وقال أيضاً: “إيران اليوم على أعتاب إعادة تعريف دورها الإقليمي. فإذا أُعيد بناء السياسة الخارجية على أساس التنمية — مثلاً من خلال الطاقة الجديدة، والترانزيت، والتعاون الإقليمي، والارتباط بالأسواق العالمية — يمكن أن تتحول إلى لاعب يساهم في الاستقرار. الدبلوماسية التنموية هي طريق المستقبل؛ طريق يحافظ على المصالح الوطنية ويعزز مكانة إيران في النظام الدولي”.

من التجربة إلى النضج السياسي

وفي ختام حديثه، قال سالياني: “إذا صُممت المفاوضات بشكل صحيح، فإنها تعكس نضجاً سياسياً. علينا أن نتجاوز التجارب الصعبة ونحوّل كل إخفاق إلى جسر نحو التقدم. الشعب الإيراني أظهر مراراً أنه في اللحظات المفصلية يختار طريق العقلانية. واليوم أيضاً حان الوقت لأن نتقدم بعينين مفتوحتين، وبصوت واحد، وبرنامج واضح نحو حوار بنّاء — لا من منطلق الخوف، بل من منطلق الثقة بالقوة والمستقبل”.

ويقول موقع رويداد 24، إن ما ذكره سالياني يستند في الواقع إلى الرؤية التي ترى في التفاوض إدارة عقلانية للقوة، لا تراجعاً عنها. وهو يؤكد ضرورة إعادة تصميم الحوارات، مذكّراً بأن مستقبل إيران في المنطقة مرتبط بقدرتها على تبني دبلوماسية تنموية وتحقيق توافق داخلي.

ويبدو أن العودة إلى الحوار في الظروف الراهنة ليست مجرد تكتيك سياسي، بل اختبار حقيقي لنضج السياسة الخارجية الإيرانية؛ نضج يجب أن يتجاوز إخفاقات الماضي ويقدم من خلال تفاعل واع مع العالم تعريفاً جديداً للقوة الوطنية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى