الصحافة الإيرانية: قمة شرم الشيخ وتحالفات جديدة في المنطقة والعالم

بالنظر إلى السياسة الداخلية الأمريكية وأولوية الولايات المتحدة بالتركيز على المنافسة بين القوى العالمية، خاصة الصين، يبدو أن واشنطن تفضل تجنب اندلاع حرب جديدة ضد إيران.

ميدل ايست نيوز: أظهرت خطة ترامب لغزة وموافقة غالبية الدول تقريباً عليها أن الحرب العدوانية الإسرائيلية والاضطرابات الناتجة عنها تخلق ظروفاً جديدة في المنطقة قد تؤثر في الوقت نفسه على الساحة الدولية. واحتلت خطة ترامب موقع الصدارة ضمن الجهود الجارية لوقف إطلاق النار في غزة، نظراً لأن الولايات المتحدة تُعد الدولة الوحيدة القادرة على التأثير في سياسات المتطرفين الإسرائيليين، وهو تأثير مستمد من قوة الاقتصاد الأمريكي وجيشه القوي.

وقال الدبلوماسي الإيراني السابق، كوروش أحمدي، في مقال نشرته صحيفة شرق، إن هذا ليس بالأمر الجديد، فقد تم حل أزمات دولية سابقة مثل أزمة البوسنة وكوسوفو في أوروبا، فقط عبر تدخل الولايات المتحدة. كما ساهمت عوامل فرعية، مثل خصائص وأولويات ترامب الشخصية، في دفع خطة السلام في غزة، بما في ذلك سعيه لتقديم نفسه كمعارض للحروب الطويلة والترويج لصورته كمدافع عن السلام. وكان للقاعدة الاجتماعية لترامب داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك حركة ماجا والفكر الانعزالي، دور في تشكيل سياساته.

عامل آخر ساهم في تقدم الخطة هو الفراغ الناجم عن غياب فعّال للقوى العالمية الأخرى في المنطقة. فقد فقدت روسيا، بعد سقوط نظام الأسد، آخر قواعد نفوذها في الشرق الأوسط، بينما لا تمتلك الصين سوى قاعدة دعم بحرية في جيبوتي دون وجود عسكري أو استخباراتي واضح في المنطقة. في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية واستخباراتية في ما لا يقل عن تسع دول بالمنطقة. علاوة على الحماية الدفاعية الأمريكية، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية، لا سيما مع السعودية ودول الخليج الأخرى، وضع هذه الدول في مدار النفوذ الأمريكي.

وتركز العلاقات الصينية مع المنطقة على التبادلات الاقتصادية وشراء النفط وتصدير السلع، في حين لا تتمتع الدول الأوروبية أيضاً بموقع مميز في المنطقة. كما ساهم سقوط نظام الأسد وضعف فصائل محور المقاومة خلال العامين الماضيين في خلق بيئة أكثر ملاءمة لإسرائيل كحليف للولايات المتحدة، وإلحاق الحاجة الإقليمية لجذب نظر واشنطن للحد من توسع إسرائيل. يمكن اعتبار خطة ترامب للسلام نتيجة طبيعية لهذه الظروف.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت التنسيقات التي أجراها ترامب مع مسؤولي ثماني دول عربية وإسلامية خلال اجتماع الأمم المتحدة الأخير دوراً مهماً، إذ أبدت هذه الدول دعماً سريعاً للخطة. وعلى الرغم من احتواء بياناتها على تحفظات وتساؤلات، إلا أن المظهر العام، الذي أشار إلى الترحيب بالخطة ومدح ترامب، كان كافياً لدفعها إلى الأمام.

ويرجع تعاون هذه الدول، رغم التحفظات، إلى اعتبارات تتعلق باستقرار المنطقة واحتواء إسرائيل وخفض مستوى التوتر والحرب، بالإضافة إلى القضايا الداخلية والأجندات الاقتصادية والدبلوماسية وتلبية احتياجات أهالي غزة الإنسانية ومنع استمرار جرائم الإبادة الجماعية والحفاظ على النفوذ والمشاركة في العمليات السياسية بعد وقف إطلاق النار. كما تعتمد هذه الدول على الدعم العسكري والاستخباراتي وضمانات الأمن الأمريكي، إلى جانب المساعدات الاقتصادية، ما يجعل رفض خطة ترامب مكلفاً جداً لها.

إن دعم هذه الدول لمبادرة ترامب لم يكن بالضرورة نابعاً عن رغبة حقيقية، بل هو نتاج للقيود الحالية وغياب بدائل لإدارة الأزمات في الشرق الأوسط وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة خلال العامين الماضيين. والآن تسعى الولايات المتحدة بوضوح نحو تحقيق سلام أمريكي في المنطقة، وفق قواعد وضوابط تصوغها هي. وغياب أي حضور مؤثر مماثل للقوى المنافسة، كما كان الحال مع الحقبة السوفيتية، يعزز هذا التوجه.

تشكل هذه التطورات السبب الرئيسي لإعادة ترتيب التحالفات الجديدة، ليس فقط على المستوى الإقليمي بل أيضاً دولياً. وعدم دعوة الصين وروسيا إلى اجتماع شرم الشيخ مؤشر مهم على تصاعد التنافس بين القوى الكبرى وإعادة ترتيب صفوف الشرق الأوسط وفق هذا السياق. ودعوة إيران إلى الاجتماع قد تشير إلى أن الولايات المتحدة لا تعتبر إيران جزءاً كاملاً من صف الصين وروسيا بعد. ويمكن تفسير تصريحات ترامب غير العدائية الأخيرة ضمن هذا الإطار، بما يعكس رغبة واشنطن في تجنب تصعيد إضافي في العلاقات الثنائية.

بشكل عام، بالنظر إلى السياسة الداخلية الأمريكية وأولوية الولايات المتحدة بالتركيز على المنافسة بين القوى العالمية، خاصة الصين، يبدو أن واشنطن تفضل تجنب اندلاع حرب جديدة ضد إيران. وبما أن أي هجوم إسرائيلي على إيران يحتاج إلى إذن أمريكي، فإنه من غير المرجح أن تقوم إسرائيل بتصرف عدواني جديد في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن استمرار نشاط برنامج التخصيب الإيراني وبعض التطورات الأخرى قد يغير هذا الوضع. وحتى يتم التوصل إلى اتفاق بديل للاتفاق النووي السابق، ستواصل الولايات المتحدة ممارسة ضغوط العقوبات وربما زيادة شدتها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى