الصحافة الإيرانية: هل تنجح التحركات الدبلوماسية الإيرانية في كبح دوامة التوتر بين أفغانستان وباكستان؟

تُعد إيران من الدول القليلة القادرة على لعب دور الوسيط الفعّال في الأزمة الحالية، نظراً لعلاقاتها المتينة مع باكستان واتصالاتها المحدودة ولكن المؤثرة مع حركة طالبان.

ميدل ايست نيوز: في أعقاب الاشتباكات الدموية الأخيرة بين قوات الجيش الباكستاني ومقاتلي حركة طالبان الأفغانية، والتي أسفرت عن مقتل عشرات العسكريين والمسلحين من الجانبين، دخلت طهران سريعاً على خط الأزمة عبر تحرك دبلوماسي مكثف.

ففي يوم الأحد، أجرى محمد رضا بهرامي، المدير العام لشؤون جنوب آسيا في وزارة الخارجية الإيرانية، اتصالاً هاتفياً مع صادق خان، المبعوث الخاص الباكستاني لشؤون أفغانستان، بحث خلاله الجانبان تطورات المنطقة والتوترات الحدودية بين البلدين. وأكد الطرفان على ضرورة خفض التوتر والحفاظ على الاستقرار وتعزيز التعاون الإقليمي.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية لصحيفة شرق، تسعى إيران بحكم علاقاتها التاريخية مع كلا البلدين إلى أداء دور الوسيط الفعّال لمنع تصعيد الأزمة الحدودية. كما صرّح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مقابلة تلفزيونية بأن طهران على تواصل مع الطرفين وتدعو إلى ضبط النفس والحوار والحل السلمي للخلافات. وأكد أن استقرار العلاقات بين إيران وباكستان وأفغانستان أمر حيوي لأمن المنطقة بأكملها، مشدداً على استعداد طهران للتعاون مع الجانبين من أجل استعادة الهدوء. ويأتي هذا الموقف بينما أغلقت إسلام آباد معابرها الحدودية، بما فيها “تشمن” و”طورخم”، فيما لا تزال الاشتباكات المسلحة مستمرة في المناطق الجبلية الحدودية.

تأثير الاشتباكات بين أفغانستان وباكستان على أمن المنطقة وحدود إيران

الاشتباكات الأخيرة بين طالبان أفغانستان والجيش الباكستاني لا تقتصر على كونها أزمة ثنائية، بل تمتد آثارها الأمنية إلى المنطقة بأسرها، بما في ذلك إيران. فإغلاق الحدود ونزوح السكان المحليين في المناطق الحدودية وتزايد تهريب الأسلحة والمخدرات واحتمال عودة نشاط الجماعات الإرهابية، تعد من أبرز المخاوف المطروحة في حال استمرار المواجهات بين الجانبين.

وشكلت الحدود الطويلة والمعقدة بين أفغانستان وباكستان منذ زمن طويل ساحة نشاط لتنظيم “تحريك طالبان باكستان” (TTP) وفرع تنظيم داعش في خراسان، إضافة إلى جماعات متطرفة أخرى. وأي اضطراب أمني في هذا المحور يمكن أن يؤثر مباشرة في أمن الحدود الشرقية لإيران.

وحذر خبراء أمنيون من أن استمرار القتال وضعف السيطرة الحدودية قد يؤديان إلى زيادة التحركات الإرهابية على الحدود الإيرانية الباكستانية. كما أن إغلاق المعابر لفترات طويلة قد يعرقل حركة التجارة وتبادل السلع بين دول المنطقة، ويؤثر سلباً على معيشة سكان المناطق الحدودية. وتعد الحدود الإيرانية مع أفغانستان، في محافظتي سيستان وبلوشستان وخراسان الجنوبية، من أكثر المناطق هشاشة، وقد شهدت في السنوات الأخيرة اختراقات من قبل عناصر مسلحة وشبكات تهريب. ويُخشى أن تؤدي زيادة الاضطرابات في باكستان وأفغانستان إلى تصاعد الضغوط الأمنية في هذه المناطق وربما اندلاع اشتباكات محدودة أو عمليات إرهابية.

وعلى المستوى الإقليمي الأوسع، أدى انعدام الثقة بين كابول وإسلام آباد إلى إضعاف التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتهريب. وفي ظل هذا الوضع، تبدي دول الجوار، مثل إيران والصين وروسيا، قلقها من أن يؤدي الفراغ الأمني الناجم عن هذه المواجهات إلى عودة شبكات الإرهاب الدولية في شرق المنطقة، وهو تطور قد يهدد أمن آسيا الوسطى والشرق الأوسط على حد سواء.

دور الدبلوماسية الإيرانية في احتواء التوترات

تُعد إيران من الدول القليلة القادرة على لعب دور الوسيط الفعّال في الأزمة الحالية، نظراً لعلاقاتها المتينة مع باكستان واتصالاتها المحدودة ولكن المؤثرة مع حركة طالبان. فقد حرصت طهران خلال السنوات الأخيرة على الحفاظ على قنوات التواصل مع طالبان دون الاعتراف رسمياً بحكومتها، بهدف الإبقاء على موقع الحياد الذي يمكن أن يفيدها في مثل هذه الأزمات. هذا الموقف يمنحها الآن فرصة لتقريب وجهات النظر بين كابول وإسلام آباد.

ويمكن للدبلوماسية الإقليمية النشطة لإيران أن تتحرك في ثلاثة اتجاهات أساسية: أولاً، فتح قنوات حوار بين الممثلين السياسيين والعسكريين للبلدين لتجنب سوء الفهم على الحدود؛ ثانياً، السعي إلى إنشاء آلية للتعاون الاستخباراتي بهدف احتواء نشاط الجماعات الإرهابية على جانبي الحدود؛ وثالثاً، تشجيع الدول الإقليمية الكبرى مثل الصين وروسيا وأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على المشاركة في جهود تثبيت الاستقرار.

كما يمكن لإيران أن تستفيد من أطر التعاون الإقليمي، مثل منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) ومنظمة شنغهاي، للدعوة إلى عقد اجتماع أمني طارئ يهدف إلى منع تفاقم الأزمة. فاستمرار النزاع العسكري لا يشكل تهديداً لحدود إيران الشرقية فحسب، بل يمكن أن يؤثر أيضاً على طرق التجارة والممرات الاقتصادية الحيوية، مثل ممر الشمال-الجنوب.

إن دور إيران المتوازن والذكي بين جارتيها المتوترتين قد يسهم في منع تشكل موجة جديدة من انعدام الأمن على حدودها الشرقية. ورغم صعوبة هذا المسار، الذي يتطلب تنسيقاً بين المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والتعاون مع الدول الإقليمية، إلا أن الدبلوماسية النشطة لطهران تظل الأداة الأكثر فاعلية حالياً لمنع امتداد الأزمة الباكستانية الأفغانية إلى داخل الأراضي الإيرانية.

وفي الختام، يمكن القول إن الاشتباكات الأخيرة بين أفغانستان وباكستان كشفت مجدداً هشاشة النظام الأمني في جنوب آسيا. وبينما دخل البلدان في دوامة خطيرة من الأفعال وردود الأفعال العسكرية، تبدو الوساطة الواقعية والعقلانية التي يمكن أن تقوم بها إيران مفتاحاً محتملاً لاستعادة قدر من الاستقرار الإقليمي. فبفضل علاقاتها التاريخية ومكانتها الموثوقة لدى الطرفين، تمتلك طهران القدرة على إطلاق مبادرات دبلوماسية جديدة من شأنها الحد من الأزمة ومنع امتداد حالة عدم الاستقرار إلى حدودها الشرقية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى