الصحافة الإيرانية: إيران تتصدر قائمة مخاوف الدول العربية
إن النهج الذي تتبعه إيران في سياستها الخارجية والمبني على مواجهة الغرب والعداء لإسرائيل مع السعي في الوقت نفسه لتطبيع العلاقات مع الدول العربية يعدّ نهجاً خاطئاً.
ميدل ايست نيوز: لا ينبغي أن ننسى أنّ عدداً من الحكومات العربية ومن بينها السعودية والإمارات بذلت في فترات سابقة جهوداً مكثفة للحيلولة دون استمرار تنفيذ الاتفاق النووي، وقامت خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعمليات ضغط قوية لإفشاله.
وقال السفير الإيراني السابق لدى الأردن، في مقال نشرته صحيفة هم ميهن، إن الدول العربية تؤكد دائماً أنها تنظر إلى أفعال إيران لا إلى مواقفها السياسية أو تصريحات مسؤوليها. تقوم السياسة الخارجية العربية تجاه إيران على ثلاثة مرتكزات أساسية: أولاً، الحكم على إيران من خلال أفعالها العملية لا من خلال أقوالها. ثانياً، رفض أي تدخل إيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية. وثالثاً، شعور تلك الدول بأن إيران تسعى إلى فرض هيمنة أحادية على المنطقة من خلال قوتها العسكرية وشبكات حلفائها الإقليميين.
وفي إطار هذه الركائز الثلاث، تكرر الدول العربية التأكيد على أنه ما لم تُزال هذه المخاوف، فلن يكون بالإمكان تطبيع العلاقات بشكل كامل مع إيران. ومن هذا المنطلق، تحاول هذه الدول وفقاً لسياساتها الخارجية منع أي هيمنة أو نفوذ إيراني أحادي في المنطقة، ولذلك فهي تدعم فرض الضغوط والعقوبات الغربية على طهران وتعتبر تطبيع علاقات إيران مع الغرب تهديداً لمصالحها.
ولا ينبغي أن ننسى أنّ عدداً من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، قد سعت بقوة في فترات سابقة لمنع استمرار تنفيذ الاتفاق النووي، وقامت خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب بحملات ضغط مكثفة لإسقاطه.
تقرير أميركي عن تعاون أمني وعسكري وثيق بين إسرائيل و6 دول عربية
وبصرف النظر عن مدى صحة التقرير الأخير لصحيفة واشنطن بوست بشأن التعاون الأمني والعسكري بين ست دول عربية في المنطقة من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، فإنّ مضمونه لا يبتعد كثيراً عن الخطوط العامة للسياسة العربية في المنطقة. فالنهج الذي تتبعه إيران في سياستها الخارجية، والمبني على مواجهة الغرب والعداء لإسرائيل مع السعي في الوقت نفسه لتطبيع العلاقات مع الدول العربية، يُعدّ نهجاً خاطئاً. وعلى طهران أن تعتمد مقاربة جديدة في سياستها الخارجية وتحدث تحولاً جذرياً في رؤيتها للمنطقة.
لا يمكن إصلاح العلاقات الإقليمية الإيرانية بوسائل ترقيعية، بل ينبغي أن تكون هناك سياسة خارجية منسجمة ومتعددة الأبعاد قادرة على معالجة المشكلات الكبرى لإيران مع العالم. ويتوجب على طهران حل خلافاتها مع الدول العربية في سياق تسوية أوسع لمشكلاتها مع بقية دول العالم، ولا سيما مع الغرب. كما يجب أن تدرك إيران آليات العمل الدولي وأن تعالج قضاياها ضمن الأطر والأنظمة المعترف بها دولياً.
الاستراتيجية التي اشتهرت تحت عنوان «سياسة الجوار» طُرحت منذ حكومة إبراهيم رئيسي (الحكومة الثالثة عشرة)، وكنتُ قد نبهت آنذاك إلى أنه لا يمكن أن تكون السياسة الإقليمية بديلاً عن السياسة الخارجية الدولية، ولا يمكن تسوية القضايا الإقليمية بمعزل عن بقية القضايا مع المجتمع الدولي. والمقصود هنا ليس أن مواقف أوروبا والولايات المتحدة من إيران مبرّرة، بل إنّ المسألة تكمن في أنه حتى لو كانت إيران على حق، فعليها أن تثبّت هذا الحق بالأدوات الدبلوماسية المناسبة.
ورغم مرور عامين على حرب غزة، وحتى بعد الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية، لا تزال الدول العربية تعتبر إيران الخطر الأكبر مقارنة بإسرائيل. ولم تنجح طهران في إزالة هذا الانطباع السلبي عنها داخل المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الدول العربية تصنّف نفسها ضمن المعسكر الغربي، ولهذا فإن سياساتها عادة ما تتماشى مع السياسات الأميركية والغربية. كما أن الحكومات العربية، خصوصاً في جنوب الخليج، حصلت على ضمانات ودعم أمني وعسكري مباشر من الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن الهجوم على قطر كان حدثاً غير سار للدول العربية، فإنها حتى بعد هذا الهجوم لا تزال تثق أكثر بالضمانات الأميركية من تصريحات إيران السياسية. وبرأيي، الهاجس الرئيسي للدول العربية ما زال يتمثل في إيران لا في إسرائيل. ورغم أن أحداث ما بعد 7 أكتوبر 2023 أبطأت وتيرة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، فإنّ هذه العملية ما زالت مستمرة. وبسبب التكاليف التي فرضتها سياسات إسرائيل على الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، تعرضت تل أبيب لضغوط لإنهاء حرب غزة.
واعترف دونالد ترامب قبل أسابيع بأنّ إسرائيل خلقت صورة سيئة لنفسها في الرأي العام العالمي، ولهذا فرض على إسرائيل وحركة حماس خطة وقف إطلاق النار في غزة للحد من الأضرار التي لحقت بالسياسة الأميركية في المنطقة، بما في ذلك تعطيل مسار اتفاقات أبراهام واندماج إسرائيل في المنطقة. فقبل 7 أكتوبر لم تكن إسرائيل على رأس قائمة المخاوف العربية، وإذا ما نُفذت خطة وقف إطلاق النار التي طرحها ترامب، فستنخفض هذه المخاوف مجدداً، لكن إيران ستبقى في مقدمة قائمة التهديدات بالنسبة لتلك الدول.
ويبدو أنّ الولايات المتحدة تعتمد سياسة موحدة ومتماسكة تجاه قضايا الشرق الأوسط لا تتغير كثيراً بتغير الرؤساء. فتعزيز التعاون الأمني والعسكري ودمج إسرائيل في المنطقة يشكلان السمة الأساسية لهذه السياسة الأميركية التي استمرت منذ الولاية الأولى لدونالد ترامب، مروراً بفترة جو بايدن، وصولاً إلى الولاية الثانية لترامب. إنها سياسة حزبية مزدوجة واستراتيجية متكاملة شهدت بعض التقلبات الطفيفة لكنها ما زالت مستمرة وستستمر في المستقبل القريب.
اقرأ المزيد
حياد استراتيجي لدول مجلس التعاون.. لماذا تبتعد الدول العربية عن الصراع بين إيران وأميركا؟



