تشاتام هاوس: نجاح ترامب المبدئي في غزة مهدد ما لم تُفتح جبهة دبلوماسية مع إيران

لتحقيق نجاح أكثر استدامة، يتعيّن على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب توسيع نطاق تحرّكها الدبلوماسي، وألّا تحصر جهودها في المسار الإسرائيلي–الفلسطيني فقط.

ميدل ايست نيوز: يُعدّ تنفيذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرحلة الأولى من خطته ذات النقاط العشرين خطوة أولى مهمة نحو إنهاء الحرب في غزة. فقد كان تركيزه السياسي المكثّف على الأزمة حاسمًا، خصوصًا في التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين، ودفع الطرفين إلى اتخاذ الخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ليست سوى بداية لمسار معقّد، إذ ما تزال قضايا جوهرية عالقة، مثل إدارة شؤون غزة، ومسألة نزع سلاح حركة حماس، والطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

وتبقى هذه الملفات هي التي ستحدد ما إذا كان أي تسوية يمكن أن تصمد على المدى الطويل.

لتحقيق نجاح أكثر استدامة، يتعيّن على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب توسيع نطاق تحرّكها الدبلوماسي، وألّا تحصر جهودها في المسار الإسرائيلي–الفلسطيني فقط. فالتوتر القائم مع إيران، الذي ظلّ مجمّدًا منذ حرب الأيام الاثني عشر في يونيو/حزيران، يُلقي الآن بظلاله على أي محاولة لإحلال سلامٍ إقليمي أوسع.

وقد أدّى قرار فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (المعروفة بمجموعة E3) بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التلقائية “سناب باك” في نهاية سبتمبر إلى تعميق عزلة طهران. ويحذر محللون من أنه إذا واصلت واشنطن تجاهل هذا الملف، فإن فرص تثبيت سلامٍ طويل الأمد ستتضاءل.

وأقرّ الرئيس ترامب بهذه الحقيقة، إذ قال الأسبوع الماضي: «كانوا [النظام الإيراني] على وشك امتلاك سلاح نووي خلال شهر واحد، والآن يمكنهم استئناف العملية من جديد، لكني آمل ألا يفعلوا، لأننا سنضطر للتعامل مع ذلك إن فعلوا.»

كما وجّه ترامب دعوة إلى طهران لحضور قمة شرم الشيخ حول غزة – إلا أن إيران رفضت المشاركة. الرسالة واضحة: الطموحات النووية الغامضة لإيران ومواجهتها المستمرة مع الولايات المتحدة ما تزالان تشكلان ظلًّا قاتمًا على استقرار المنطقة بأكملها.

الموقف الإيراني

تجد إيران نفسها اليوم محاصرة استراتيجيًا وذات هامش محدود للمناورة. فقد وجّهت الولايات المتحدة وإسرائيل ضربات مؤثرة لبرنامجها النووي خلال حرب يونيو التي استمرت اثني عشر يومًا، في حين أدّى إعادة فرض العقوبات الأوروبية إلى تجميد أصولٍ مالية، وفرض حظرٍ على السلاح، ومنع تجارة الطاقة، ما زاد من الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران.

كانت الاقتصاد الإيراني يعاني أصلًا من ضغوط شديدة بسبب عقوبات “الضغوط القصوى” الأميركية التي أعيد فرضها عام 2019 بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA). وما تزال العملة الإيرانية تشهد تقلبات حادة، فيما تتصاعد معدلات التضخم، وتُقيَّد صادرات النفط، بينما يتلاشى الاستثمار الأجنبي تمامًا.

وقد أدّت هذه الضغوط الاقتصادية إلى تنامي السخط الشعبي في الداخل. فرغم أن احتجاجات عام 2022 لم تتجدد، فإن النظام الإيراني يفتقر إلى خيارات واقعية لوقف التدهور الاقتصادي على المدى القصير.

وفي الوقت نفسه، تراجعت شبكة النفوذ الإقليمي لطهران، وأصبحت أضعف من أي وقت خلال العقد الماضي. فـمحور “المقاومة” الذي عملت إيران على بنائه لعقود، تعرّض لتصدّع واضح تحت وطأة الضربات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، ما أضعف قدرة طهران على استخدامه كورقة نفوذ إقليمي فعّالة.

تعرّضت حركة حماس لخسائر كبيرة في حرب غزة، واضطُرت تحت ضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القبول باتفاق لوقف إطلاق النار. وفي لبنان، تكبّد حزب الله خسائر قيادية فادحة، ويواجه ضغوطًا داخلية ودولية متزايدة لنزع سلاحه.

أما في العراق، فالفصائل المقرّبة من طهران أصبحت تحت مجهر الرقابة المحلية، إذ يسعى القادة العراقيون إلى تجنّب الانجرار إلى صراعٍ إقليمي قبيل الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني. وفي سوريا، تم استبدال نظام بشار الأسد بحكومة جديدة برئاسة أحمد الشرّاع، توصف بأنها هشّة وغير مستقرة.

ويبقى الحوثيون في اليمن الفصيل الوحيد الذي يواصل شنّ هجمات بطائرات مسيّرة محدودة ضد إسرائيل، لكن قدراتهم العسكرية مقيدة، فيما يتوقّع أن تستأنف إسرائيل ضرباتها ضدهم قريبًا.

جمود أميركي وتخبّط أوروبي

من شأن هذه التحولات الإقليمية أن تفتح نافذة فرصة أمام الولايات المتحدة، غير أن إدارة ترامب ما زالت تحصر مقاربتها في إطار العمل العسكري الذي نفّذته في يونيو/حزيران، وسياسة العقوبات القصوى بوصفها الخيار الافتراضي.
ولم تُقدّم واشنطن حتى الآن رؤية دبلوماسية واضحة تحدد مكانة إيران في النظام الإقليمي الجديد أو كيفية التعامل معها في مرحلة ما بعد الحرب.

وهنا تكمن المشكلة. إذ تُظهر التجارب التاريخية أنه في غياب مبادرة دبلوماسية واضحة، فإن إيران تميل إلى العودة إلى دورها التقليدي كطرف معرقل لأي مسار سياسي لا يخدم مصالحها.

قد تسعى طهران إلى إعادة بناء برنامجها النووي، وإحياء شبكاتها من الجماعات الموالية لها، وتعزيز علاقاتها القديمة مع حلفائها الإقليميين. وتشير تقارير إلى أن إيران تعمل بالفعل على إعادة ترميم قدراتها الردعية وتطوير دفاعاتها الجوية استعدادًا لاحتمال مواجهة جديدة مع إسرائيل.

أما على الجانب الأوروبي، فقد زاد الموقف تعقيدًا. فقرار دول الاتحاد الثلاث (E3) – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – بإعادة فرض العقوبات كان هدفه الضغط على طهران للانخراط مع إدارة ترامب، إلا أن النتائج جاءت عكسية. فقد تعمّق انعدام الثقة بين إيران والعواصم الأوروبية، فيما فقدت مجموعة E3 أي استراتيجية واضحة للتعامل مع الملف الإيراني.

ومع تطبيق آلية “سناب باك” الآن، لم يعد لدى الأوروبيين أدوات ضغط حقيقية ولا خطة متماسكة لإعادة التواصل مع طهران أو للوساطة بين واشنطن والجمهورية الإسلامية. كما أن الانقسامات الداخلية زادت موقفهم ضعفًا.
وفي غياب قيادة أميركية فاعلة، تبدو سياسة العقوبات الأوروبية مهددة بفقدان فعاليتها وتحولها إلى مجرد إجراء رمزي.

تشهد السياسة الأميركية تجاه إيران حالة من الانقسام والتسييس الحاد. فإدارة الرئيس دونالد ترامب منقسمة بشأن الهدف النهائي الذي تسعى إليه:

هل هو تغيير النظام؟ أم احتواء البرنامج النووي؟ أم إعادة دمج إيران في النظام الإقليمي؟

إذ إن كل خيار من هذه الخيارات يتطلب أدوات واستراتيجيات مختلفة تمامًا، ومع غياب التوافق داخل واشنطن، تواجه الإدارة خطر إرسال رسائل متناقضة من شأنها أن تُبقي الأزمة في حالة دوران مستمر دون حل.

نهج دبلوماسي جديد تجاه إيران

تلوح ملامح مقاربة أكثر شمولًا في الأفق. إذ ستحتاج واشنطن إلى الربط بين الردع العسكري وإطار دبلوماسي موثوق يضع قيودًا واضحة على البرنامج النووي الإيراني، ويتيح في المقابل مجالًا لتخفيف العقوبات الاقتصادية في حال التزام طهران.

كما سيتعيّن على الولايات المتحدة تعزيز التنسيق مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، اللذين يمتلكان القدرة على دمج أدوات الضغط الاقتصادي مع حوافز للتعاون، من أجل صياغة مقاربة متوازنة تجمع بين الردع والانخراط الدبلوماسي.

كما يجب إشراك أطراف إقليمية جديدة في أي مسار دبلوماسي مقبل. وتُعد السعودية طرفًا أساسيًا في هذا الإطار، لما يمكن أن تقوم به من دور وساطة، إلى جانب تعزيز الروابط الاقتصادية وتقديم ضمانات أمنية. وقد واصلت الرياض مسار التطبيع التدريجي مع طهران، انطلاقًا من مصلحتها المباشرة في تحقيق استقرارٍ إقليمي أوسع.

ويجب أن يكون منع اندلاع حرب مباشرة جديدة بين إيران وإسرائيل هدفًا رئيسيًا لأي جهد دبلوماسي مقبل، إذ إن تجدد الصراع من شأنه أن يُشعل مجددًا حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويُعرقل أي تقدم في مسار التسوية داخل غزة.

لذلك، ينبغي أن يتضمّن أي مسار دبلوماسي موسّع تفاهمًا بشأن عدم الاعتداء وعدم التدخل، تلتزم بموجبه الدول الإقليمية بتجنّب المواجهات المباشرة والامتناع عن استخدام الوكلاء المزعزعين للاستقرار.

ويمكن لمثل هذه الآليات أن تشكل إجراءات لبناء الثقة وتُمهّد لتأسيس نظام أمني إقليمي طويل الأمد يقوم على التوازن والاحترام المتبادل.

إن البديل عن المسار الدبلوماسي هو ترك إيران في حالة دائمة من العزلة والمواجهة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض التقدّم الذي أحرزه الرئيس ترامب في ملف غزة. فـمحور المقاومة المشتّت يمكن أن يعيد تشكيل نفسه مع مرور الوقت، كما أن البرنامج النووي الإيراني، الذي جرى تعطيله مؤقتًا، يمكن استئنافه مجددًا.

إن احتواء إيران دون مسار دبلوماسي ليس سوى حلّ مؤقت، وليس استراتيجية قابلة للاستمرار.

وبالنسبة للرئيس ترامب، فإن وقف إطلاق النار في غزة يُعدّ إنجازًا مهمًا، غير أن العمل الأصعب لا يزال أمامه. فـإدارة غزة، ومستقبل الدولة الفلسطينية، وضمانات الأمن لإسرائيل، جميعها عناصر حاسمة، لكن أي اتفاق سلام لن يكون متينًا ما لم يُعالج التحدي الإيراني.

لقد أظهر ترامب قدرته على تعبئة الزخم السياسي والضغط الدبلوماسي لتحقيق اختراقات، لكنه يحتاج الآن إلى توظيف العزيمة ذاتها في بلورة إطار إقليمي جديد يدمج إيران في نظام أكثر استقرارًا — أو على الأقل، يحول دون إفشالها المرحلة المقبلة من الدبلوماسية في الشرق الأوسط.

Sanam Vakil

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Chatham House

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى